غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    ترامب يبحث ترحيل المهاجرين إلى ليبيا ورواندا    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    مهرجان «كنوز بلادي» بالكريب في دورته 3 معارض ومحاضرات وحفلات فنية بحديقة «ميستي» الاثرية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    كلية الطب بسوسة: تخرّج أول دفعة من طلبة الطب باللغة الإنجليزية    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    تطاوين: قافلة طبية متعددة الاختصاصات تزور معتمدية الذهيبة طيلة يومين    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سليم بن حميدان في حوار ساخن: هذه حقيقة ماراج عن علاقتي بقضية الاعلامي سمير الوافي
نشر في حقائق أون لاين يوم 02 - 06 - 2015

الدكتور سليم بن حميدان، من المنفى الى إدارة الدولة برتبة وزير املاك الدولة، وبين التهجّر القسري والسلطة مسافة جغرافية وتاريخية.. فمن طالب فرّ من نظام "بن علي" بحثا عن الأمان والاستقرار، في رحلة التيه والترحال بين ليبيا والسودان وسوريا ولبنان وتركيا والنمسا وسويسرا، للتفتيش عن وطن بالتبني، وعن أرض تقيه سطوة السلطة النوفمبرية، ليكون في الاخير لاجئا سياسيا في فرنسا. وطيلة سنوات المنفى الاضطراري، لم يغادره الحلم بميلاد وطن الحرية والكرامة، ومن أجل ذلك لم يتخلف طيلة وجوده في المنفى عن الفعل السياسي المعارض للنظام البائد، من خلال مشاركته كأحد كوادر حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، إضافة الى انخراطه كأحد مؤسسي المنظمة الدولية للمهجرين التونسيين، ليتولى مهمة وزير أملاك الدولة في أول حكومة منبثقة عن انتخابات بعد الثورة..
التقيناه في هذا الحوار المشاكس، لنطرح عليه جملة من العناوين، حول خلفية الانشقاقات في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية والشبهات المالية - علاقته بقضية الاعلامي "سمير الوافي" ورجل الأعمال "حمادي الطويل" - حقيقة انخراطه من عدمه في ملف البنك الفرنسي- التونسي" - أسباب وخلفيات تعطل شعب المواطنين- استجلاء قضية الدكتور "منذر صفر".. فكان رحب الصدر في تحمل الاسئلة اللاذعة، المستندة على استيضاح ما كتب ونشر وما تلوكه بعض الجهات، وتمضغه العديد من الأطراف.
*من المنفى إلى الاضطلاع بمهمة وزير أملاك الدولة دون أن تمرّ بمرحلة تأهيل، أو تدريب أو انخراط قبلها في دواليب الدولة، لتجد نفسك وجها لوجه على رأس وزارة ساخنة، عرفت بملفات حسّاسة، وقضايا حارقة، فكيف واجهت هذا الإرث وما هي بصماتك في هذه الوزارة؟
أنا من خريجي المدرسة العليا للإرادة، إرادة التغيير والإصلاح التي تحتاج إلى الضمير وعلوّ الهمّة وخوض المعارك النبيلة، وتحدّي كل الصعاب، والتصميم على الانتصار والنجاح.. وزارة ساخنة فعلا، ولكن أقل سخونة من قلبنا المتيّم بحبّ بلاد خانها ساستها عقودا فقتلوا وسجنوا وعذبو وشردوا في الآفاق خيرة أبنائها، فلما عادوا بعد رحيل الطاغية عادوا يحملون علما وتجربة وخبرة في أكثر من مجال، بوأت بعضهم (وأنا أحدهم) لتولي مسؤوليات جسام.. وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية، التي أشرفت عليها لأكثر من سنتين. ققد كانت تُسمى تندّرا من التونسيين بوزارة أملاك الدولة وشؤون "الطرابلسية" ! ... وذلك باعتبارها بؤرة من البؤر التي عشّش فيها الفساد. حيث انتزعت الملكيات الخاصة للكثير من الملاك الشرعيين باسم المصلحة العامة، ولم يُعوض أصحابها إلى اليوم، ثم اقتسمها المتنفذون بينهم غنائم، كما تمّ التفويت في آلاف الهكتارات من الأراضي الدولية الفلاحية الخصبة، وإسناد المقاطع الرخامية، والحوزات العقارية، والمشاريع الكبرى حسب الولاء والوجاهة، دون أن تدرّ ريعا على ميزانية الدولة، اللهم إلاّ بعض الفتات تمويها وذرّا للرماد على عيون المراقبين والمشاغبين من المعارضين..
حاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه بالتعاون مع الموظفين الشرفاء، الذين سامهم النظام البائد ألوانا من عذاب البخس والتحقير والتهميش. فأعدنا النظر في معايير إسناد الأراضي الدولية بمعايير الشفافية والحوكمة الرشيدة، واستصدرنا أذونا عديدة لمراقبة التصرف في المؤسسات العمومية والمال العام، وأعددنا مشاريع في الإصلاح العقاري كأهم عائق أمام التنمية، وسرّعنا في نسق إنجاز مشاريع البنية التحتية والسكن الاجتماعي، هذا ناهيك عن إحالة آلاف الملفات الى القضاء عبر جهاز المكلف العام بنزاعات الدولة، إلى جانب مساهمتنا في تفعيل ملف مصادرة أملاك الرئيس المخلوع وعائلته وأصهاره، والتي تقدر قيمتها بآلاف المليارات، لكي تعود ملكيتها إلى الشعب، وتضخّ مبالغ مهمة منها في ميزانية الدولة..
كما أننا ساهمنا في اثارة موضوع الساعة في تونس، ألا وهو الفساد المستشري في مجال الطاقة فأصدرنا، خلال سنة 2013، إذنا لهيئة الرقابة العامة بمأمورية تفقد وتقييم لكل العقود والاتفاقيات المبرمة في القطاع..
*في أحد الجلسات الخاصة، ذكرت أن الإدارة التونسية تضم أغلبية من الإداريين الوطنيين الشرفاء ذوي كفاءات عالية، وأصحاب ضمير مهني يعتز به، ونسبة قليلة جدا من الموظفين الذين يمثلون الدولة العميقة، محكومين بعقلية الفساد والحنين لعهد النهب، غير أن هذه الأقلية الإدارية حسب قولك فاعلة على مستوى توتير الأوضاع، والانتفاع من أجواء التآمر والدسائس، فهل من توضيح عبر بعض الامثلة الملموسة؟
فعلا، ما وجدته أثلج صدري وصحّح اعتقادا خاطئا وقرّ سابقا في ذهني في علاقة بفساد الإدارة، حيث وجدت غالبية من الموظفين الشرفاء الذين كاد الاستبداد يعصف بوهج الوطنية وروح العمل والبذل والعطاء، التي تميزهم عن زمرة من الفاسدين الذين وجدوا الحضوة والحماية سابقا ولاحقا..
هؤلاء تمترس كثير منهم في العمل النقابي، واتخذ من المطالب المشروعة والقضايا النبيلة مطية لإرباك عمل الوزارة، وتجويف مفهوم الثورة من المعاني والقيم السامية. لقد اخترقوا المنظمات العمالية الوطنية واحتموا بها، وأصبحوا قادة كبارا لا يُشق لهم غبار في الدفاع عن الفساد، والتمويه والمغالطة، والمزايدة والمتاجرة !
مثال ملموس أسوقه، ويتمثل في الوقفة الاحتجاجية التي شنها ضدي هؤلاء لما قررت تغيير المكلف العام بنزاعات الدولة السابق والذي حامت حوله شبهات فساد وتعيين آخر مكانه. فهاجوا وماجوا وذهبوا الى قنوات الاعلام التي تواطأت معهم في تزييف الحقائق. وصوّرت الأمر على أنه استيلاء على مفاصل الدولة،.
كما أذكر أنهم كانوا يهيجون الإدارة كلما اتخذ قرارا تأديبيا في حق موظف تجاوز القانون أو أخل بواجباته المهنية. وكأن الحرية عندهم رديف للتسيب والفوضى وغياب القانون والمحاسبة.
*أنت أحد قيادات حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، الذي عرف نظريا برفعه عاليا لشعار مقاومة الفساد والتطهير. وحين توليتم السلطة تخليتم عن هذا الطرح، بل بعض المتابعين يذهبون بالقول إلى أنكم انخرطتم في المنظومة، ممّا جعلكم لا تختلفون عما كنتم تنادون بعزلهم سياسيا، ومحاسبتهم قضائيا؟
لم نتخل أبدا عن مبادئنا ومواقفنا الوطنية وعلى رأسها ضرورة تفكيك المنظومة القديمة ومكافحة الفساد. الدليل على كلامي هو الثمن الباهض الذي دفعناه ولا نزال في حزب المؤتمر، كذبا وتشويها وادعاء على كل قياداتنا، وعلى رأسها السيد الرئيس منصف المرزوقي بالباطل، الذي لم يأتوا عليه يوما ببرهان،
هذه الحملات التي لم تنقطع يوما ضدنا، يقودها أصحاب المال الفاسد من الذين أفقدتهم الثورة السلطة والاعتبار. وبدأنا في تجفيف منابعهم، فطفقوا يكيلون إلينا التهم عبر تأجير عصابة من مرتزقة الاعلام، الذين باعوا أقلامهم وذممهم بثمن بخس..
لقد بلغ بهم الحقد الى حد الزج باسمي في قضايا فساد مالي بل ان احد مواقعهم الافتراضية روج لامتلاكي حسابا بنكيا في مملكة البحرين ... شعارهم في ذلك ما قاله وزير اعلام المانيا النازية "غوبلز" : "اكذب اكذب حتى يصدقك الناس" .
من ناحية البراهين العملية والمادية على تصدينا لهم عملا لا قولا، هو ما أنجزناه في الوزارة من استرجاع لآلاف الهكتارات (حوالي 80 الف هكتار) من الاراضي الدولية الفلاحية الخصبة، والتي أسندت لفاسدين زمن المخلوع بالولاء والمحاباة جزاء جليل خدماتهم وتواطئهم مع نظامه البائد..
كما أن حرصنا على تفعيل مصادرة أملاك العصابة الحاكمة، وإرجاعها الى ملك الدولة وخزينتها العامة ،تؤكده قرارات وأرقام في متناول كل من أراد اثباتا على ما ندّعي.
ثم ان احالتنا لآلاف الملفات الى القضاء، وتثبيتنا لقواعد الشفافية والحوكمة الرشيدة للتصرف في الملك العام، تشكل كلها أدلة دامغة على تمسكنا بنهج الإصلاح، وتحقيق أهداف الثورة..
هذا دون أن يفوتنا التذكير بمشروع القانون الذي تقدمت به رئاسة الجمهورية آنذاك (المرزوقي) في خصوص "الإثراء غير المشروع"، والذي لا نتوقع أن يرى النور مع عودة المنظومة القديمة اليوم الى الحكم.
*بعض المصادر تشير بأن هناك مبالغ مالية هامة رصدت من الخارج للتنمية، وتحديدا من بعض دول الخليج استفدتم منها لحسابكم الخاص، تحت عباءة حزب "المؤتمر من أجل ألجمهورية"، عبر تأسيس العديد من الجمعيات الموالية لكم، كواجهة من أجل تبييض الأموال ضمن غطاء قانوني؟
هذا يندرج في إطار حملات التشويه وقلب الحقائق، لكي يقول عنا الشعب بأننا نستوي في الفساد مع من قامت عليهم الثورة. حتى إذا كان لهم ما أرادوا وتزعزعت فينا ثقة سواد الناس، انقلبوا عليها (أي الثورة) بأحد الصندوقين : صندوق الرصاص أو صندوق الاقتراع.
*ما حقيقة ما يقال أنكم تلقيتم تمويلا لحزبكم "المؤتمر من أجل الجمهورية" في شكل دعم لمقرّكم القديم، من طرف منظمة " المجموعة العربية للتنمية والتمكين الوطني"،
هذه المؤسسة الموجودة بجينيف، والتي تحوم حولها الكثير من الشبهات، خصوصا أن من يترأسها هو الفلسطيني محمد يحي شامية
أحد أتباع محمد دحلان. وبالتالي فهي واجهة خلفيةل"محمد دحلان" بكل تفاصيل ما قيل ونشر وكتب حول هذه الشخصية من حقائق مثيرة؟
حزب المؤتمر ورئيسه الشرفي المنصف المرزوقي معروفان بالولاء والانحياز التام، منذ بيان التأسيس الى قضايا الأمة، وتبني مطالبها المشروعة في التحرر والوحدة والكرامة.
الجهة التي أشرت إليها معروفة الولاء أيضاً، ولكن إلى الضفة الأخرى المذعورة من الربيع العربي ومن مشروع الأمة في التحرر والكرامة.
نحن إذن نقيضان، بل ضدان لا يلتقيان مبدأً ومصلحة، وتبقى البينة على من كابر وادعى.
فحزب المؤتمر لا يعتمد على أي تمويلات أجنبية، وهو أمر مخالف لقانون الأحزاب، بل أنني لست أذيع سراً إذا قلت بأن السبب الرئيسي في تراجعنا كقوة انتخابية، (لأننا لا نزال قوة سياسية ضاربة ويحسب لها ألف حساب)، يكمن في ضعف مواردنا المالية مقارنة بالأطراف الفائزة والتي تحوم حول أغلبها شبهات المال السياسي، والتمويل الأجنبي.
أم زياد ، عبد الرؤوف العيادي ، محمد عبو ، عبد الوهاب معطر ، سمير بن عمر ، هؤلاء من القيادات التاريخية استقالوا كلهم، يضاف إليهم "عزيز كريشان" وغيرهم، وهناك من يقول أنهم دفعوا للاستقالة للتخلص من حجمهم ووزنهم، كي يستند الحزب على البعد الجهوي والعائلي، ويتخلص من المساءلة، والمراقبة، يضاف الى ذلك الاستقالة الجماعية الأخيرة ل15 عضوا، أغلبهم رؤساء مكاتب، والذين أعلنوا امتعاضهم الصريح، من غياب الشفافية المالية وظاهرة الاقصاء والانغلاق والولاءات، وعدم وضوح الرؤية.. ألا تثير مثل كل هذه الانشقاقات التساؤل والاستفهام، حول سير دواليب الحزب عند انطفاء الأنوار؟
الاستقالة في الأحزاب أمر طبيعي، ولكل واحد ممن ذكرت دوافعه وحساباته واعتباراته الشخصية، أستثني من الوصف الاستقالات الأخيرة لكل من السادة "عبد الوهاب معطر" "سمير بن عمر"، والسيدة "سهام بادي"، الذين استقالوا من المكتب السياسي لا من الحزب، وذلك في إطار ترسيخ قيم التداول على المسؤولية، وضخ الدماء، وسيُسجل لهم التاريخ صمودهم ومبدئيتهم وتواضعهم وتنازلهم.
أما الاستقالة الجماعية الأخيرة ل15 عضو، فلا تعدو أن تكون زوبعة في فنجان، حيث أغلبهم من فاقدي العضوية ومن المستقيلين فعليا وقانونيا منذ مدة. غير أنهم أرادوا ركوب الحدث والظهور بمظهر القياديين البارزين، الذين ستزلزل الأرض من تحت الحزب بإعلان استقالتهم. فلا علاقة لهم بما ادعوه من غياب الشفافية، حيث حساباتنا المالية منشورة لدى دائرة المحاسبات، ولا إقصاء إلا لمن أقصى نفسه، حيث المجلس الوطني هو أعلى سلطة بعد المؤتمر العام، تُتخذ فيه القرارات والتوصيات الملزمة للمكتب السياسي بالتصويت وفي احترام كامل لقواعد الديمقراطية، قلا ولاء إلا لمبادئ الحزب ومرجعيته الجامعة بين الأصالة والحداثة، فيما هي تكريس للسيادة الشعبية وحقوق الانسان والمواطنة الحقيقية.
وحول مسألة وضوح الرؤيا لدى حزبنا فأجزم بأنها ساطعة، للناظرين بعين الإنصاف والموضوعية، من خلال مرجعيته وتاريخه وتحالفاته ومواقفه من مختلف الاشكاليات الدستورية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، كما من جملة القضايا والسياسات الاقليمية والدولية.
*كيف كان تعاملكم في الوزارة مع رفقاء الدرب وأصدقاء المنفى، ونخص بالذكر الدكتور "منذر صفر"، الذي الحقتموه بالوزارة بخطة مستشار، والذي يذكر بعض الإداريين أنكم ضحيتم به في قضية "البنك الفرنسي- التونسي" وتنصلكم من المسؤولية القانونية والأخلاقية، حتى أصبح مطلوبا وصادرة في شأنه بطاقة جلب، وهو من هو الحقوقي والمدافع الشرس عن اللاجئين السياسيين سنوات الجمر؟
أولا، لم أتعامل في الوزارة بمنطق الغنيمة أو المكافأة التي أوزعها على الأصدقاء بل من منطلق التكليف والمسؤولية الوطنية والحضارية.
فوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية هي أيضاً وزارة المظالم العقارية والتجاوزات، بل الانتهاكات الخطيرة التي طالت، زمن الاستبداد، حق الملكية الخاصة كحق أساسي وطبيعي من حقوق الانسان.
استعنت بصديقي الدكتور "منذر صفر" وعينته مستشارا معي، لما له من خبرة في معالجة المظالم على الصعيد العالمي، ولما له من خصال وما يحمله من مبادئ ثورية وحقوقية، يشهد بها القاصي والداني،
غير أن مشاعره الإنسانية الفياضة، وحماسه وتعاطفه "المبالغ فيه" مع أصحاب المظالم أو من يظهرون للناس بهاته الصفة، قادته لكي يرتكب خطأ إداريا فادحا في الملف الذي ذكرته، أي قضية "البنك الفرنسي-التونسي"، مما استوجب إحالته (أي الملف) إلى القضاء، من منطلق المسؤولية القانونية، وليس تنصلا أو تضحية بصديق كما ذكرتم، إذ جُبِلت على أخلاق الوفاء للأصدقاء، وذلك نظرا لخطورة التداعيات المحتملة على الدولة التونسية. المسألة اليوم مطروحة أمام القضاء التونسي، وليس للدكتور" منذر صفر" إلا أن يستجيب للمساءلة وللشهادة التي استجبت لها شخصيا، حتى تتحدّد المسؤوليات وينال كل ذي حق حقه.
*الملاحظ أنكم خلال فترة حكمكم مع الترويكا، وبعد خروجكم من السلطة، لم ترفع قضايا مالية ضد أي وزير نهضاوي، في حين أن بعض عناصر حزبكم التي اعتلت السلطة مرشحة كما يبدو للمثول أمام المحاكم، فمن هنا عبد الوهاب معطر، ومن الجهة الأخرى "سهام بادي"، دون اختزال الأقاويل والشبهات المالية حول المجموعة التي كانت تحيط بالرئيس السابق منصف المرزوقي بقصر قرطاج، والتي تلوّح بعض الجهات بمقاضاتها فبماذا تفسر ذلك؟
لقد كان وزراء حزب المؤتمر وزراء ثورة داخل حكومة ائتلافية لم تتجانس الأحزاب، المشكلة لها في تحديد الأولويات وفي سقف الخيارات الثورية، التي كانت منخفضة جداً لدى بعض مكوناتها،.
لذلك توجهت ضدنا السهام في الحكم وبعده، ولا يزال البعض يحلم بقطع رؤوسنا تشفيا وانتقاما.
فقد سمع العالم بفضيحة الفيديو المفبرك، المبثوث من طرف المنشط "حمزة البلومي" ضد الرئيس السابق، والذي أعقبه تصريح للمستشار السياسي للرئيس الحالي (القادم من رحم المنظومة القديمة)، والذي يطالب فيه بمحاكمة المرزوقي، الذي سيذكر له التاريخ أنه تصدى لمحاولات الانقلاب على الشرعية مصرا على الاصلاح الجذري، رافضا الاستقالة حيث يذكر الجميع قولته الشهيرة "لن اسلم مفاتيح القصر إلا لرئيس منتخب".
*قضية الاعلامي" سمير الوافي" مع رجل الأعمال "حمادي الطويل" ذكرت فيها كشاهد، وبعض النقابات الأمنية تتهمك مباشرة بالتورط في هذا الملف، فما هي الحقيقة ولماذا لا ترفع قضية ضدّ من يتهمونك ، إذا كان الاتهام اللفظي لا يستند الى حجج، خصوصا وأنك رجل قانون؟
الحقيقة هي أنه لا علاقة لي بقضية الإعلامي "سمير الوافي" التي تم الزج باسمي فيها، إمّا من طرف هذا الاخير والذي برّره بأغراض السبق والاستقصاء الصحفي، أو من طرف عصابات فساد وخصوم سياسيين يريدون فبركة أي شيء لإدانتي، (كحد أقصى) وتشويه سمعتي والنيل من شرفي (كحد أدنى)، جاهلين أو متجاهلين أن الصلاحيات القانونية المخولة لي بصفتي وزيرا لأملاك الدولة سابقا، لا تسمح لي بالتدخل في موضوع رجال الأعمال الفاسدين، الذي يبقى اختصاصا حصريا للقضاء، أو للجنة المصادرة كلجنة مستقلة.
شرحت هذا الامر عشرات المرات ولكنهم يصرون على كذبهم لأنه الرزق الذي منه يرتزقون، مصداق الآية الكريمة "ويجعلون رزقهم أنهم يكذبون".
في مسألة مقاضاتهم، أصدقك القول بأنني منشغل عن نباحهم بقضايا أهم بكثير مما يحاولون صرف أنظارنا إِليه، البحث العلمي ونشر الوعي بالحرية والثقافة الديمقراطية والنضال، من أجل تنزيل مبادئ دستور ثورة الحرية والكرامة، الذي كان لي شرف الإسهام في كتابته. هذه هي المعارك الحقيقية التي أواصل اليوم من موقع المواطنة الإيجابية والمعارضة المسؤولة القيام بها.
سيسجل التاريخ والكتاب المقروء يوم الحساب لكل واحد فينا حظه من الكسب في هذه الحياة الدنيا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
*"شعب المواطنين"، الذي لوّح الدكتور "منصف المرزوقي" ببعثه على إثر الانتخابات الرئاسية في الدورة الثانية، بدا كحلم كبير ثم سرعان ما تهاوى، والمتابعون بدقة وكذلك الذين انخرطوا فيه منذ البداية من شخصيات وأحزاب، والذين انسحبوا، يعتبرون أن الدائرة الضيقة المحيطة ب"المرزوقي"، هي من سعت الى وأد هذا المسعى، وأفرغته من كل أمل طموح في أن يكون فضاء تجميعي، وحراكا يساهم في تغيير المشهد الحالي؟
شعب المواطنين هو ديناميكية ثورية دائمة ما دامت ثورة شعبنا ... انه الحراك المواطني في كل تجلياته واتجاهاته ... مبادرة المرزوقي كانت نداء متوجها نحو الضمائر والعقول والقلوب المتوهجة بأنوار الثورة المقدسة، لكي تشارك كلها في صناعة الانسان الجديد، الذي تعمل الثورة المضادة ليلا نهارا على إجهاضه جنيناً لم يولد بعد.
إنها بهذا المعنى مشروع ميتا-حزبي والانتصار فيه قدرٌ مقدور. بمفعول اتجاه حركة التاريخ، نحو التمكين للحرية والكرامة والسيادة الحقيقية على قراراتنا. وثرواتنا.
يمكن أن تُعطل نرجسيات بعض المحيطين بالمرزوقي تشكل هذه الديناميكية، أو تفسد متعة الانخراط فيها لبعض الوقت، ولكن المسيرة ستتواصل، لأنه تيار هادر، بل نهر عظيم متدفق يتسع لكل الأحرار الأوفياء، ويستجيب لتطلعات الملايين من المحبطين والمهمشين.
إنه مشروع صناعة الأمل والإصرار على الانتصار ولو كره الكارهون ... فهلمّ معاً الى الحراك نضع فيه لبنة تكون لنا أثرا نُباهي به بين الأمم، ويُفاخر به الأبناء والأحفاد بعد طول عمر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.