تحدث خبراء ومتابعون عن تزايد ضحايا التحيل والغش في مجال البعث العقاري خلال السنوات الأخيرة نتيجة الثغرات التي تضمنها القانون المنظم لعمل الباعثين العقاريين ومتابعة المخالفين واتخاذ اجراءات ردعية في شانهم، حيث لم يجد بعض من اشتروا هذه العقارات ما تم الاتفاق عليه مع الباعث منذ البداية بل اصطدموا بعيوب ظاهرة في البناء على سبيل المثال. "الصباح الأسبوعي" بحثت في هذا الموضوع لاستجلاء مواطن التجاوزات ومكمن الفساد وكيفية معالجته. ينص القانون 17 لسنة 1990 المؤرخ في فيفري 1990 والمتعلق بتحوير التشريع الخاص بالبعث العقاري على حماية المستهلك من اي تجاوزات، اذ ينظم عملية التعاقد عبر تحديد شروط العقارات المبنية او المعدة للبناء او الاراضي المقدمة والمهيأة او المعدة للتقسيم والتهيئة بواسطة عقد مكتوب يبرم في الغرض بين الباعث العقاري والمشتري. كما تضمن عدة ضوابط لضمان حق كل طرف. يقول الاسعد الذوادي عضو المرصد الوطني "إيلاف" لحماية المستهلك ودافعي الضرائب وعضو معهد المحامين المستشارين الجبائيين بفرنسا وعضو الجمعية العالمية للجباية متحدثا عن هذا القانون: "في اعتقادي هو قانون متخلف وإجرامي لان أحكامه لم تجرم الغش والتحيل وعدم احترام الباعث العقاري لالتزاماته، يكفي معرفة ان العقوبة المتعلقة بجريمة التحيل المشار اليها بالفصلين 15 و19 من القانون المنسوخ عدد 47 لسنة 1977 متعلق بتنظيم مهنة البعث العقاري قد تم حذفها سنة 1990. وخلافا لما ورد بالنصوص التشريعية والترتيبية المتعلقة بالبعث العقاري، يتذمر المستهلكون من بعض الباعثين العقاريين المحترفين للغش والتحيل الذين لا يسلمونهم الضمانات المتعلقة بالتسبقات والوعود بالبيع والملاحق المتعلقة بنوعية المواد والأمثلة والمحاضر والرخص وبصفة عامة كل الوثائق المشار إليها بكراس الشروط العامة للبعث العقاري". صنف آخر.. يشدد الذوادي على وجود صنوف من المتحيلين في البعث العقاري كأولئك الذين يسلمون ضحاياهم الأمثلة والوثائق المتعلقة بالخصائص الفنية ونوعية المواد المستعملة تحمل ختمهم وغير ممضاة ومشهود بمطابقتها للأصل وهذا بالإمكان التأكد منه لدى الضحايا إذا ما قام وزير التجهيز والإسكان بمهامه الرقابية المشار إليها بالفصل 8 من القانون عدد 17 لسنة 1990 والفصل 6 من الأمر عدد 1330 لسنة 1991 متعلق بالمصادقة على كراس الشروط العامة للبعث العقاري. ويضيف ان آخرين يبتزون ضحاياهم من خلال إجبارهم على التنازل عن المطالبة بحقهم في جبر الضرر الناجم عن التأخير في التسليم وهذا يعد جريمة خطيرة على معنى الفصل 283 من المجلة الجزائية على حدّ تعبيره. أما الفصل 15 من كراس الشروط العامة للبعث العقاري المتعلق بغرامة التأخير فقد نص على أن تلك الغرامة وجب أن لا تتجاوز 15 بالمائة من التسبقة مهما طالت فترة التأخير. وصنف آخر من المتحيلين يضمنون بعقود البيع بنودا تسمح لهم بالتصرف التجاري في الأجزاء المشتركة وهذا يعد جريمة على معنى الفصل 284 من المجلة الجزائية. كما يوجد باعثون عقاريون ينجزون مشاريعهم بمواد ذات جودة أقل بكثير من تلك المضمنة بالوثائق الملحقة بالوعد بالبيع والمشار إليها بالفصلين 8 و9 من كراس الشروط العامة (صنف 2 و3) وهذا يندرج ضمن أعمال التحيل المشار إليها بالفصل 294 من المجلة الجزائية وهنا نتساءل عن المسؤولية الجزائية للاطراف التي سلمت الشهادة المتعلقة بالمطابقة وحسن إنجاز الأشغال التي تمّ إهمالها صلب التشريع المتعلق بالبعث العقاري مثلما هو الشان بالنسبة لمراقب الحسابات الذي يعاقب بالسجن عندما يشهد بصحة محاسبة مؤسسة غير مطابقة للواقع. لدى المشتري.. بدوره يرى حمادي فخفاخ كاهية مدير البعث العقاري بوزارة التجهيز ان من بين الاشكالات الاولية المطروحة في العلاقة بين الباعث العقاري والمشتري بالنسبة للوزارة هو ابرام وعد البيع النموذجي من قبل محامين دون تدخل وزارة الاشراف. ويقول محدثنا: "في حال عدم احترام الباعث العقاري للاحكام التشريعية والرئيسية فيتم سحب ترخيصه على غرار سحب ترخيص شركة 'النجاح العقاري' للبعث العقاري لوجود اخلالات، كما سحبنا ترخيصين اخرين لباعثين اثنين طلبا منا ذلك وهي الحالات التي اتخذنا هذا الاجراء بشانها بعد الثورة. خطوة اخرى نقوم بها عند وصول شكاوى من قبل المشترين بخصوص اخلالات في البنايات تتمثل في دعوة الباعث العقاري الى الوزارة للتفاهم مع هذا المشتري وفي حال انعدم التفاهم بينهما يقدم المتضرر عريضة في الغرض ويلتجئ بعدها الى القضاء فيما نقوم بمتابعة الموضوع. وتجدر الاشارة الى وجود تجاوب من قبل عدد من الباعثين العقارين للوصول الى حلول الى المشاكل المطروحة، في المقابل لا يقدم غالبية المشترين على تقديم شكاوى الى الوزارة بل يسعون الى حل مشاكلهم بطرقهم الخاصة". دعوة.. تبقى دعوة المختصين والمهتمين بهذا المجال قائمة الى ضرورة اصلاح المنظومة التشريعية العقارية لضمان حق المشتري والباعث العقاري على حد السواء. كما ان وزارة التجهيز والإسكان مطالبة بفتح تحقيق بهذا الخصوص وبتفعيل آلية المراقبة وكذلك العقوبات المشار إليها بالفصل 8 من قانون البعث العقاري، ومراجعة كراس الشروط العام للبعث العقاري لسد المنافذ امام اية تجاوزات يمكن ان تحصل ولما لا التنصيص على سجل للمتحيلين كما دعا الى ذلك الاستاذ الاسعد الذوادي-. جمال الفرشيشي أنتم اليوم تواصلون تجميع براهين وأدلة أخرى؟
اللجنة السابقة لم تكن جهازا قضائيا، هي فقط تعدّ بحثا أوليا من خلال ملفات مصادرها مختلفة فإذا ما تبين لها شبهة فساد فإنها تحيل الملف مباشرة للقضاء.. وهنا يبقى القضاء الجهة المختصة للبت في هذه الملفات.. وهذا عمل هام يساعد القضاء في البت في مآل هذه الملفات.. واليوم هناك قطب قضائي للنظر في هذه الملفات والتعهد بها. والبراهين والأدلة المتمثلة خاصة في وثائق ضبطت في القصور الرئاسية هي اليوم بعهدة القضاء. اضافة الى 800 ملف وقع احالتها من الوزارات الى القضاء، بعد أن قامت هذه الوزارات بأعمال رقابة داخلية؟ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد هل مازالت تتعقب الملفات القديمة وتحاول تجميع مزيدا من الوثائق والأدلة؟ هذا من مهام الهيئة لأن اللجنة السابقة اعدت مشروع مرسوم وقع اصداره في 14 نوفمبر 2011 يؤسس لهيئة دائمة ومستمرة لأن مقاومة الفساد تحتاج الى هيئة دائمة ومستقلة عن التجاذبات السياسية مهما كانت وهذه الهيئة كذلك منسجمة مع الالتزامات الدولية. ونحن الى اليوم نقوم بتجميع الوثائق وهناك كذلك من يتصل بنا من المواطنين لعرض ما يملكونه من ملفات ووثائق.. لكن بنسق أقل من الأشهر الأولى. ونحن الى اليوم نبحث في الملفات القديمة وكذلك الجديدة. هل يمكننا تعقب واقتفاء أثار الفساد دون ان نفتح أرشيفات الدولة الأكثر سرية؟ لا أذكر أننا طلبنا ملفا من جهة معينة ورفضت مدنا به بما في ذلك وزارة الداخلية وخاصة وزارة المالية التي فيها جزء كبير من الوثائق التي تدين الفساد وكذلك وزارة أملاك الدولة، أحيانا يكون هناك بطء وأنا أتفهمه لأن المسؤولين تغيروا والاطلاع على الملفات يحتاج إلى وقت.. فالقانون المنظم للهيئة يؤكد ان الادارة لا يمكن أن تواجهنا بالسرية. هل تؤكد او تنفي ما يقوله البعض من أن جزءا هاما من أدلة التورط قد أتلفت مباشرة بعد الثورة؟ هذه كلها افتراضات ومن يملك الحجة نرجو ان يمدنا بها.. وأنا لا يمكنني الجزم بأن هناك ملفات أتلفت أو لم تتلف وأتحدّى من يقول العكس.. بعد انتخابات أكتوبر، هل رفعت اليكم ملفات تحوم حولها شبهة الفساد؟ موجود.. حتى الآن وبمعدل شبه يومي نتصل بملفات، فيها الجديّ ومنها غير الجدي.. هناك حالات فساد جديدة.. هناك من يقول أن الفساد ازداد بعد الثورة.. لكن هنا نتساءل ما الحجة في ذلك، فالمسألة عبارة عن انطباع حتى ولو كان صحيحا ومن الأرجح أنه صحيح.. باعتبار الانفلات الذي تلا الثورة وكذلك الضعف الذي مرت به الدولة.. لكن المهم سيأتي وقتا ونحدّ فيه من هذه الظاهرة.. القائمة التكميلية للمصادرة، هل ساهمتم فيها من خلال ملفات فساد تدين الأسماء التي وردت فيها؟ ميدان المصادرة يتعلق بلجنة خاصة ولكن عندما نجد معلومات في الملفات التي عندنا يمكن أن تساعد هذه اللجنة نمدّها بها وهي تعاملنا بالمثل. ملفات رجال الأعمال التي أحيلت على القضاء هل كانت فعلا ملفات انتقائية كما تحدث البعض ناهيك وان البعض من رجال الأعمال التي تحوم حولهم الشبهات هم اليوم طلقاء؟ ما أستطيع تأكيده ان كل انسان موقوف ولو بصفة تحفظية الا وكان هناك حدّ أدنى من الأدلة التي تبرر إيقافه.. وليس هناك أكباش فداء، فأنا لم أسمع بموقوف دون ان تكون هناك شكوك قوية حوله.. لكنه منطق خطير عندما نخوض في هذه المقارنات، فالقاضي يعتمد وثائق وادلة ثابتة لإصدار أحكامه. لكن هنا ليس القضاء هو المتهم بل الحكومات التي اعقبت الثورة والتي يقول عنها البعض أنه كانت هناك محاباة في التعامل مع بعض رجال الأعمال؟ قد يكون حصلت مثل هذه الأشياء.. ممكن جدا.. وأقول أكثر من ذلك فمن الطبيعي أن تحصل مثل هذه الأشياء.. وهذا لا يعني تبرير ما حصل لكن أعتقد أنها امكانية واردة فهناك دائما من يفلت من العقاب سواء بتواطؤ مع الغير او بشراء ذمم.. ونحن كهيئة نأخذ كل هذا بعين الاعتبار فالمهمة الشاقة للهيئة هي الوقاية.. كهيئة وطنية لمكافحة الفساد كيف تعاملتم مع قضية "الشيراتون غيت"؟ نحن كهيئة لا ننتظر الشكايات، فأنا أترصد يوميا حالات الفساد حتى ولو كان مجرد خبر ورد في صحيفة.. قرأت كل ما قيل في شأن ما سمي "بالشيراتون غيت" ولم أر فيها شخصيا وجها لاختصاص الهيئة، فهي مسألة تتعلق بالمال العمومي وراجعة بالنظر الى دائرة المحاسبات وليس هناك قضية فساد تدخل في اختصاص الهيئة.. فأنا لم أجد وجها تتعهد وفقه الهيئة بهذا الملف. بحكم عملكم الحساس والدقيق هل تعرضت الى نوع من التهديدات أو محاولة للإغراءات والاستمالة؟ التهديد وجد وكنت صرحت بذلك علنا.. لكن الإغراءات لا، وقد يكون ذلك راجع لما يعرفه الناس عن قناعات سمير العنابي. هل تخشى وانت كرئيس للهيئة من بعض الملفات السياحية؟ بدون شك.. فعندما تهدد مصالح البعض فإن ذلك سيثير ردود فعل مختلفة وهناك حتى من أتى لتسوية وضعية. هل تفاجأت بوجود شخصيات معينة مورطة في ملفات الفساد؟ في الحقيقة كل من تعلق به ملف جدي الا وكنت أعرف عنه شخصيا بعض المؤاخذات ولو بدرجات مختلفة ولكن لم أفاجأ بأي شخص.. هل هناك ملفات استفزتك شخصيا؟ هناك فعلا ملفات أثارت غضبي عندما يكون الظلم ثابت، والرشوة ثابتة، والتواطؤ ثابت لكنك لا تستطيع فعل شيء لأن المرجع الأخير متورط في العملية وقد وجدت بعض الملفات على هذه الشاكلة. القطاعات التي تعتبر جنانا للفساد في تونس؟ سالمعادلة هنا بسيطة جدا فأين يوجد المال يوجد الفساد.. بحيث القطاعات التي كان فيها مال بكثرة كان فيها فساد كثير كالصفقات العمومية.. الطاقة.. النقل.. العقارات وكذلك ميدان التراخيص الادارية وهي أشياء تتحدّى الخيال وقد فاقت تصوري...
رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة التعيينات حسب الولاء السياسي.. فساد إداري شكلت الادارة زمن نظام بن علي أداة استغلها المخلوع في ابرام الصفقات المشبوهة واهدار المال العام من خلال اكراه الاداريين على مجاراة ما يصدر من تعليمات من قصر قرطاج.. والادارة التونسية التي أبلت البلاء الحسن في استمرار المرفق العام بعد الثورة وضمان السير الطبيعي لدواليب الدولة.. ما تزال الى اليوم تحت رحمة التجاذب السياسي وخاضعة لاملاءات الحكومة بقطع النظر عن اللون السياسي لهذه الحكومة.. وهو ما جعل الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الادارة ينكب على ايجاد الآليات الفعالة لضمان حياد حقيقي للادارة يجعلها في خدمة الدولة والمواطن وليس في خدمة أي حزب مهما كان.. وهذا ما عبّر عنه عبد القادر اللباوي رئيس الهيئة التأسيسية للاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الادارة، الذي يقول "إن الإدارة التونسية تبقى خاضعة للسلطة السياسية .. وهذه القوانين أخذناها عن القانون الفرنسي.. وهو ما جعل بن علي يطوّع الإدارة لمصلحته الخاصّة ومصلحة العائلة.. والى اليوم يتواصل العمل بهذه القوانين التي تمكّن الحكومة من وضع يدها على الإدارة وهذا ما لمسناه من خلال التعيينات في النيابات الخصوصية والولاة والعمد والدواوين الوزارية.. وبالتالي فان الحكومة ما تزال تحتكم على الادارة.. وفي زمن بن علي كانت الادارة مجبرة على مجاراة الفساد الذي كان يشرّع له من قصر قرطاج .. فالاداريون كانوا يكرهون على منح الصفقات العمومية خاصّة وفق تعليمات بن علي ووزارئه.. واليوم اذا قيّمنا عمل الادارة بالنظر لاستحقاقات الثورة، فان الادارة قد لا تقوم بما يجب القيام به وفق تطلعات المواطن وانتظاراته على مستوى اسداء الخدمة في غياب الرقابة الصارمة، وتسجيل عديد الانحرافات بالعمل الاداري.." وسألت اللباوي ما اذا كان يعتبر التعيينات نوعا من الفساد الاداري فأكّد أن التعيينات المحكومة بالمحاباة وبالولاء الحزبي تعتبر فسادا اداريا لأنها تخرق مبدأ المساواة.. والفساد في تعريفه الدقيق هو استيلاء على مقدّرات المجموعة العمومية التي يجب الاستفادة منها على قدر المساواة.. ونحن كهيئة نحاول ارساء آليات للنأي بالادارة عن التجاذب السياسي كالحرص على التنصيص على مبدإ حياد الادارة في الدستور المرتقب.. وكذلك نحن نطالب باحداث هيئة مستقلة لمراقبة المرفق الاداري والعمومي ورصد التجاوزات والبحث عن الحلول الكفيلة باجتثاث ظاهرة الفساد الاداري.. كما يمكن لهذه الهيئة أن تتلقى عرائض التظلّم من المواطنين وتقوم أيضا بحماية الأعوان من الإكراه السياسي.. وتكون ضمانة أساسية لتفعيل المساواة في الانتداب والترقية وتوعية أعوان الوظيفة العمومية والحياد مع ضمان جودة اسداء الخدمة بعيدا عن التجاذب السياسي والايديولوجي..".