في روايته الشهيرة "حفلة الكبش" يصف ماريو فارغاس يوسا الحائز على نوبل للآداب سنة 2010، كيف كمن انطونيو دولامازا و رفاقه للجنرال تروخيليو الذي حكم الدومينكان بالحديد و النار و أطلقوا عليه الرصاص حتى الموت داخل سيارته "الشيفروليه" السوداء. انتهى تروخيليو، و لكن الدكتاتورية كقدر مشؤوم "FUKU" ما تزال تعيد انتاج نفسها عابرة للقارات، و الشعوب و الثقافات، تغير جلدها أحيانا، و لكن بنفس البنية السلطوية المبنية على القوة و الوهم،يبدو الجنرال عبد الفتاح السيسي، ببزته العسكرية ونظاراته السوداء صورة كربونية عن حكام أمريكا اللاتينية العسكريين، و هذا التشابه يتجاوز الصورة الى استعادة نفس استراتيجيات خطاب الدكتاتورية و استعمال عنف الأجهزة الأمنية و العسكرية للدولة ضد مواطنيها مع الادعاء لذلك العنف شرعية سياسية و أخلاقية. يمثل عبد الفتاح السيسي نموذجا للدكتاتورية التاريخية من خلال ممارسة نظام سياسي يمثل توليفة بين صفات شخصية فوق واقعية و خطاب يقوم على انتاج الوهم كبديل عن الانجاز بماهو مشروعية ذات وجود مادي و سوسيولوجي، وهي المشروعية التي على أساسها انقلب على رئيس منتخب ديمقراطيا تحت مسوغ عدم تحقيق المطالب الاقتصادية و الاجتماعية لثورة 25 يناير رغم مرور عام فقط على وصوله للسلطة. يبني السيسي نظامه على مجموعة من الأساطير المؤسسة اذ يقدم نفسه كأب منقذ" الرجل الممسوح بالزيت و الذي يأتي من التاريخ مبشرا بالخلاص، معتمدا في ذلك على تحالف مع الدعاية الاعلامية و المؤسسة الدينية الرسمية الاسلامية و المسيحية، وهي نفس الآلية التي اشتغلت بها جميع الدكتاتوريات في أمريكا اللاتينية التي قامت على سياسات يمينية متحالفة مع الكنيسة و مسنودة الى هيمنة مطلقة على وسائل الاعلام . اضافة الى كل هذا فان التشابه يبدو مثيرا من جهة من حيث البناء النفسي و من جهة ثانية من حيث البنية السياسية الاجتماعية مع القدرة على الخلط بين الناحيتين: الأولى ذات الطابع الذاتي، و الثانية ذات الطابع الموضوعي و تقديمها للعموم في شكل صورة مثالية و كان الاستبداد علاقة تعاقدية بين القائد الأب/ الأخ الأكبر و الشعب العاشق الذي تتجسد روحه التاريخية في ذلك القائد. اشتغل نظام السيسي على مستوى وعي الجمهور بتقديم نفسه كاستعادة لعبد الناصر الحاضر دائما داخل الضمير الجمعي المصري كمؤسس لمصر الحديثة، و كصاحب قدرة على تحقيق احلام المصريين الذين يعيشون واقعا مأزوما من التفقير و التجهيل. لقد كانت وسائل الاعلام تستدعي العرافين و المشعوذين لتفسير أحلام السيسي- عزيز مصر صاحب الرؤى الرسولية - في حين كان الأولى الاستعانة باختصاصيين في التحليل النفسي psychanalystes حيث من الواضح أن الرجل يحمل هوسا مرضيا بالسلطة،وحيث الرجل يقدم عقده النفسية كقيم أخلاقية في مشهد مكارتي تتحالف فيه جميع قوى الدولة العميقة و لوبياتها الاعلامية و المالية لصناعة الزعيم القادر لوحده - باعتبار يمثل المؤسسة العسكرية - على تحقيق أجندات الحقد السياسي و الايديولوجي باستئصال جماعة الاخوان المسلمين - الجماعة العقائدية و السياسية الأكبر- و التي أكدت جميع الانتخابات صعوبة التفوق عليها ديمقراطيا. لقد تميّز نظام السيسي تماما مثل جميع الأنظمة الدكتاتورية بالقدرة على المخاتلة وهو ما أتاح له استخدام الجميع في اللحظة التي كانوا يعتقدون أنه يخدمهم ، فالسيسي انقلب على جميع الطبقة السياسية بعد أن استعملها للوصول الى السلطة من خلال ديمقراطية شكلانية شاركت فيها الأحزاب و السياسيون مثل "كومبارس" في مسرحية بريشتية أشبه بالعبث، كما نجح في بناء مجموعة من علاقات تبادل المنافع المادية و السياسية تتيح ديمومة ولاء الطبقة السياسية، التي وضعت جميع بيضها في سلة العسكر و لم يعد بامكانها التحرك الا فيه/حوله/ على هامشه. تبني الدكتاتوريات شرعيتها على مستوى الجاهلي و لو على حساب الواقع الاجتماعي باستعمال آلتها الدعائية مع الالتجاء للعنف الشديد تجاه معارضيها بحجة الارهاب أو اللاّوطنية، لذلك فان أوّل خطوات اسقاطها يكون بتفكيك صورتها في المستوى الوعي الشعبي لذلك فان الانتخابات المصرية الأخيرة وامتناع الناخبين عن الحضور رغم التجييش و حالة الاستقطاب السياسي الحاد تؤكد أن دكتاتورية الجنرال عبد الفتاح السيسي أخذت تفقد كل مقومات قوتها ممّا قد يمثّل مقدمة لاستغناء مؤسسة الجيش و الدولة العميقة عنه أو الاطاحة به من خلال حراك مدني مواطني و سياسي. انقلب الجنرال السيسي على الرئيس مرسي بمسوغ عدم الانجاز و تبدو فترة حكمه الى الآن عقيمة دون انجاز يذكر و دون تغيير حقيقي يمكن أن يطال حياة المواطن المصري البسيط – ملح الأرض - ممّا يعني أن الجنرال قد يقضي بنفس الرصاص السياسي الذي أنهى به زمن سابقه. رغم خطاب القوة ، فان نظام السيسي يبدو و كأنه على حافة العالم، في انتظار الموت القادم من الأماسي البعيدة حيث تورخيليو في سيارته "الشيفروليه" السوداء و حيث انطونيو دولامازا و رفاقه يطلقون عليه حكم التاريخ... " عندما رفع عينيه كان مبعوث البابا يحمل في يده كتابا لسان توماس داكان وهو بوجهه الندي و ابتسامته الشريرة يضع أحد اصابعه على فقرة من الصفحة المفتوحة، انحنى سلفادور و راح يقرأ " ينظر الرب بايجابية لموت الوحش عندما يكون ذلك من أجل تحرير شعب ". 1 1.رواية حفلة الكبش بالفرنسية دار فوليو صفحة 275 الكاتب ماريو فارغاس يوسا الفقرة ترجمة كاتب المقال. *محام و ناشط سياسي تونسي