بداية من جانفي: إذا دقّوا عليكم الباب...راهو استبيان على النقل مش حاجة أخرى    جمعية القضاة تصدر بيان هام وتدين..#خبر_عاجل    إقرار إدانة الكاتب العام السابق لنقابة أعوان وموظفي العدلية الحطاب بن عثمان    عاجل/ مفاجأة بخصوص هوية منفذي هجوم سيدني..    البرلمان الجزائري يناقش تجريم الاستعمار الفرنسي    عاجل: شوف القنوات الي تنجم تتفرّج فيها في ماتشوات كأس أمم إفريقيا 2025    عاجل: أمطار رعدية وغزيرة جاية لتونس    عاجل/ فيضانات في المغرب..وهذه حصيلة الضحايا..    تجمّع عمّالي أمام شركة نقل تونس    ما السبب وراء صمود توقعات النمو الاقتصادي لدول آسيان-6؟    الطقس هذا اليوم..أمطار منتظرة..#خبر_عاجل    الزهروني: إيقاف مشتبه به في جريمة طعن تلميذ حتى الموت    شنيا حقيقة امضاء لسعد الدريدي مع شباب قسنطينة؟..بعد جمعة برك في باردو    مؤسسة دعم تحتفي بمسيرة 10 سنوات من الإدماج المالي وتعلن تخفيض دائم في نسب الفائدة    تصدى لمنفذي هجوم سيدني.. من هو أحمد الأحمد؟    عاجل-محرز الغنوشي يُبشّر:''بداية أولى الاضطرابات الجوية والتقلّبات انطلاقًا من هذا اليوم''    بعد هجوم سيدني.. أستراليا تدرس تشديد قوانين حيازة الأسلحة    على خلفية الاحتجاجات الأخيرة: إيقاف أكثر من 21 شخصا بالقيروان    HONOR تطلق في تونس هاتفها الجديد HONOR X9d    كأس العرب قطر 2025: المغرب والإمارات في مواجهة حاسمة من أجل بلوغ النهائي    أب وابنه.. أستراليا تعلن تفاصيل جديدة عن مشتبه بهما في هجوم سيدني    عاجل/ حادث مرور مروع ينهي حياة أب وابنته..    أخبار الملعب التونسي ...هزيمة ودية وتربص مغلق في سوسة    وفاة شقيقة الزعيم عادل إمام بعد أزمة صحية طارئة    مجمع موزعي النظارات يرحب بالفصل 72    بشرى للسينمائيين التونسيين إثر صدوره بالرائد الرسمي .. إحداث صندوق التشجيع على الاستثمار في القطاع السينمائي والسمعي البصري    في كتابه الجديد «المدينة في زمن الباشا بايات» .. د.محمد العزيز بن عاشور يؤرخ للمدينة العتيقة ول«البلديّة»    اتحاد الكتاب فرع توزر يعلن مقاطعته مؤتمر اتحاد كتاب تونس    أولا وأخيرا .. أنا لست عربيا ولن أكون    جريمة مروعة تهز جهة الزهروني..#خبر_عاجل    شجاعته جعلته بطلا قوميا في أستراليا.. من هو أحمد الأحمد؟    كأس العرب قطر 2025: مدرب منتخب الأردن يؤكد السعي لبلوغ النهائي على حساب السعودية في مباراة الغد    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة التاسعة    وزارة الفلاحة تنطلق في العمل ببرنامج تخزين كميات من زيت الزيتون لدى الخواص مع اسناد منح للخزن    كيف سيكون الطقس هذه الليلة؟    فوز 11 تلميذا في مسابقات الملتقى الجهوي للصورة والسينما والفنون البصرية للمدارس الإعدادية والمعاهد    تطاوين: انطلاق الشباك الموحد للحجيج لموسم 1447 ه / 2026 م لفائدة 133 حاجًا وحاجة    قفصة : إنطلاق الحملة الوطنية الأولى للكشف المبكر عن اضطرابات الغدة الدرقية    المعابر الحدودية بجندوبة تسجل رقما قياسيا في عدد الوافدين الجزائريين..    مدنين / بلدية بن قردان تنطلق في تركيز 390 نقطة انارة عمومية من نوع "لاد" بالطريق الرئيسية ووسط المدينة    توفى بيتر غرين.. الشرير اللي عشنا معاه على الشاشة    الكاف : مهرجان "بدائل للفنون الملتزمة" يمنح جائزته السنوية التقديرية للفنّان البحري الرحّالي    الإطار الطبي للمنتخب يتابع الحالة الصحية لنعيم السيتي للمشاركة في كأس إفريقيا    عاجل: شنيا حكاية ضبط كميات كبيرة من الكبدة المنتهية صلوحيتها كانت متجهة نحو الجزائر؟    شنيا حكاية المادة المضافة للبلاستك الي تقاوم الحرائق؟    الرياض تستضيف المنتدى العالمي ال 11 للحضارات بدعم غوتيريش و130 دولة    إنشاء مجمع صناعي متكامل لإنتاج العطور ومستحضرات التجميل ببوسالم    عاجل: الأطباء يحذرون...الطب الشعبي قد يؤدي للوفاة عند الأطفال    الفئة العمرية بين 18 و44 سنة تمثل 51 بالمائة من مجموع قتلى حوادث المرور (دراسة)    شنيا يصير وقت شرب ال Chocolat Chaud في ال Grippe؟    جون سينا يقول باي باي للمصارعة بعد 23 عام مجد    الألواح الشمسية وقانون المالية 2026: جدل حول الجباية بين تسريع الانتقال الطاقي وحماية التصنيع المحلي    جندوبة: استئناف النشاط الجراحي بقسم طبّ العيون    تاكلسة.. قافلة صحية لطبّ العيون تؤمّن فحوصات لفائدة 150 منتفعًا    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    شنوّا حكاية ''البلّوطة'' للرجال؟    تنبيه لكلّ حاجّ: التصوير ممنوع    بدأ العد التنازلي لرمضان: هذا موعد غرة شهر رجب فلكياً..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزوايا الخفية لمسار إصلاح الإعلام في تونس بعد الثورة
نشر في حقائق أون لاين يوم 17 - 01 - 2016

يعد قطاع الإعلام في تونس ما بعد ثورة جانفي من بين أهم القطاعات التي كانت ولا تزال محل جدل كبير والتي تخضع لجملة من محاولات التغيير انضوت تحت مسمى المسار الإصلاحي الذي يهدف إلى إعادة هيكلة المشهد الإعلامي وتأهيل فاعليه وأطره المهنية والتشريعية بما يتلاءم مع متطلبات الانتقال الديمقراطي.
تم إرساء هذا المسار على أرضية انهيار النظام الحاكم و ما ترتب عنه من حالة فراغ سياسي, قانوني ومؤسسي ومن انفلات إعلامي تعالت على إثره أصوات الأغلبية الكاسحة من داخل القطاع ومن خارجه منددة بمسؤولية لإعلام التونسي في ترسيخ وتقوية النظام الدكتاتوري ومحذرة من عجزه عن مجاراة النسق الثوري فيما لو استمر على ما هو عليه. في هذا السياق الهش والمشحون بفوبيا الماضي وهوس القطع معه طرحت مسالة إصلاح المنظومة الإعلامية كمطلب عام وملح بل كضامن وكشرط أساسي لنجاح مرحلة الانتقال الديمقراطي.
مطلب إصلاح الإعلام بين تحمس الخطاب وفراغ الواقع
على أرض الواقع كانت الأمور أقل جهوزية و قابلية للتغير بسبب غياب أية نماذج وطنية أو سياسات عمومية لإصلاح الإعلام وعدم توفر الموارد المالية والبشرية اللازمة لتحقيق هذا المشروع بالإضافة إلى جِدّة التجربة الثورية في تونس وما انجر عنها من حالة ارتباك عام جعلت من الصعب تصور أي نموذج أو مشروع إصلاحي. كان لا بد إذا من الاستعانة بمن يمتلك الخبرة في التعامل مع مثل هذا الظرف الاستثنائي و يكون قادرا على تقديم نماذج عملية للإصلاح وفي ذات الوقت يكون على استعداد لتقديم الدعم المادي واللوجستي وحتى البشري اللازم لإرساء المسار الإصلاحي و دعمه.
شكلت هذه المعادلة أرضية ملائمة لتكثيف مبادرات التعاون الدولي و تقديمها على أنها الخيار الوحيد واختزلت جانبا كبيرا من الإصلاح في ضرورة تبني المعايير الدولية كضامن للمهنية والاستقلالية فاسحة بذلك المجال أمام دفق هائل من المؤسسات والمنظمات والجمعيات الأجنبية والعالمية المانحة، منها من قدمت لتونس لأول مرة ومنها الموجودة من قبل الثورة إلا أن نشاطاتها كانت محدودة جدا فيما يهم الإعلام بقطاعيه العام والخاص بما أنهما كانا حكرا على الدولة.
الأسئلة المعكرة للمزاج الثوري
تشكل هذه الأرضية رافقته من الداخل بعض الخطابات المتخوفة غير أنها كانت محتشمة لم يتجاوز سقفها مسألة صعوبة الارتقاء بالقطاع إلى مستوى الصناعة الإعلامية ومدى تفاعل المواصفات العالمية مع سياقات الواقع التونسي وفي أقصى حالاتها كانت تحوم حول مسالة العولمة بمقاربات نظرية عامة.
هذه التخوفات من الداخل قابلتها خطابات طمأنة من طرف المانحين العالميين جاءت من باب رد الفعل أو من باب الاستباق لتبين أن دعم تونس و الوقوف إلى جانبها واجب وأن دور هذه الأطراف ينحصر في المرافقة والمساندة على غرار ما قامت به مع بلدان أوروبا الشرقية وإفريقيا الفرانكفونية وغيرها من البلدان التي عرفت ثورات في العقود الأخيرة. ولكنها تؤكد في كل مرة على أن هذه الخطوة ستنطلق من متطلبات و خصوصيات القطاع الإعلامي التونسي.
لكن ما هو المعنى الحقيقي للاستقلالية والتعديل الذاتي ولرفض تدخل الدولة في المسار الإصلاحي (ما عدا تمويل الإعلام العمومي) مقابل الخضوع لهيمنة منطق المواصفات والمعايير العالمية ؟ كيف يمكن لهذا المنطق أن يستوعب المشكلات التقليدية المعقدة للمهنيين والتي هي تشكل الجانب غير المرئي للسياق ؟ في نفس الوقت وبما أن المهنيين مطالبون بالتفاعل مع المسار حتى يتمكن هذا الأخير من شق طريقه، كيف يمكن لهؤلاء المهنيين المنغمسين في مشكلاتهم المهنية العميقة والضيقة أن يستوعبوا شمولية المسار الإصلاحي ومنطق المعايير والسوق وصناعة الإعلام ؟ من هم الفاعلون الجدد في القطاع خاصة بعد انكماش دور الدولة وما هي أهدافهم و مصالحهم ؟
من المؤكد أن مثل هذه الأسئلة كانت ستعكر المزاج الثوري العام المندفع نحو الإصلاح وبالتالي فان طرحها لم يكن يتجاوز الدوائر الضيقة ولم يرتقي إلى مستوى الطرح المعمق.
هل تغير الواقع الإعلامي التونسي مند الثورة ؟
انقضت خمس سنوات على إرساء مسار إصلاح الإعلام في تونس ومحاولات إعادة إنتاج التجارب الغربية في سياقات محلية عن طريق الملتقيات والبرامج والدورات التكوينية التي تشمل عددا كبيرا من الصحفيين والإعلاميين والمدونين...و عبر الاستشارات وصياغة مدونات أخلاقية لبعض المؤسسات ولكن كذلك عن طريق إعادة هيكلة الإطار التشريعي. وكخطوة أولى في الدفع نحو هذا التوجه وقع إلغاء وزارة الإعلام وتجميد نشاط الوكالة التونسية للاتصال الخارجي وإنهاء العمل بمجلة الصحافة. في المقابل تم بعث هيئة أولى للإصلاح الإعلام ينحصر دورها في الجانب الاستشاري ثم سن المراسيم 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر و116 لبعث هيئة ثانية للإصلاح و تنظيم القطاع السمعي و المرئي تتمتع بأكثر صلاحيات من الهيأة الأولى المنحلة ثم وقعت دسترتها كهيئة دستورية مستقلة ذات صبغة تقريرية. بهذا المعنى لا يمكننا أن ننكر أن المشهد الإعلامي لم يعد على ما كان عليه قبل 14 جانفي على الأقل من حيث تنوعه و إطاره التشريعي و مدى تدخل الدولة فيه.
لكن بالرغم من هذه التغييرات فإن حالة الإعلام في تونس لا تزال تدعو إلى القلق. ومن المفارقات أنه مع استعادة البلاد لشئ من الاستقرار السياسي والاجتماعي بعد الانتخابات التشريعية ثم الرئاسية في أواخر 2014 وبعد استعادة المؤسسات الإعلامية لشيء من الروتين وجد المهنيون أنفسهم وجها لوجه مع مشاكلهم التقليدية والأساسية على غرار العمل في جو مجهول تتعطل فيه أو تغيب الآليات اللازمة لحمايتهم وينعدم فيه الشعور بالرضا والأمن الوظيفيين إضافة إلى انعدام التضامن حتى فيما بينهم. و بما أن المؤسسات الإعلامية في تونس لا تزال مؤسسات بيروقراطية و شديدة التراتبية، فلا شيء تغير في سياقات إنتاج المضامين...
هذه المشاكل وغيرها كانت قد تشتتت غداة الثورة وسيطر عليها هاجس التشريع وحرية التعبير و أخلاقيات المهنة وتكتيكات المهنيين و رؤساء المؤسسات الإعلامية للتموقع أو إعادة التموقع في المشهد الإعلامي والسياسي المتقلب. كما سيطرت عليها مشكلات ظرفية مثل تغطية الأحداث المتسارعة وسلسلة الانتخابات التي عرفتها البلاد في السنوات الأخيرة، و الخوف من الجمهور مع نمو المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الخاصة التي تسعى إلى بناء صورتها أو الحفاظ عليها بالإضافة إلى تطور الوعي الثقافي. هذه المستجدات شكلت ضغطا على الصحافيين وجعلتهم في مواجهة مستمرة لحملات الاتهام و التوصيم.
بالإضافة إلى وضعية المهنيين فئن المؤسسات وجدت نفسها في مواجهة مشاكل جديدة مثل ما أصبح يسمى بظاهرة الانتصاب الفوضوي للإعلام في مقابل عجز الهيأة التعديلية و المراسيم و النقابات عن تنظيم القطاع بسبب مقاومة هده المؤسسات نفسها و تعنت المؤسسات التي تتصدر المشهد العلامي في تونس و الثغرات التشريعية. من جهة أخرى فإن غياب أية سياسات عمومية داعمة للقطاع وكساد السوق الإعلانية وافتقار أغلب هذه المؤسسات إلى نماذج اقتصادية بديلة - وإن وجدت فهي غير واضحة- زاد الحالة سوءا.
في نهاية هذا النص يمكن الإقرار بعدم وضوح نتائج المسار الإصلاحي للإعلام على أرض الواقع و هو أمر يستحيل معه في الوقت الحاضر تقييم هذا المسار إيجابيا أو سلبيا واستشراف مآلاته على المدى البعيد ولا حتى القصير. إلا أن المعطيات المبدئية تحيلنا إلى إعادة التفكير في مفهوم الإصلاح و سبله كما تحيلنا على وجود خلل ما في هذا المسار الإصلاحي لا بد من أخده بجدية و الشروع في فهم و تحليل ملامحه و أسبابه الدقيقة و انعكاساته على المنظومة الإعلامية كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.