النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    لمرضى السكري: عشبة إذا شربتها صباحًا ستخفض السكر في دمّك    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    مفزع/ نسبة الرضاعة الطبيعية في تونس أقل من 18 بالمائة..!    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ليلى طرابلسي تكشف تفاصيل مغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية
نشر في أنفو بليس يوم 25 - 07 - 2012

للمرة الأولى منذ سقوط نظام الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، تتحدث السيدة التونسية الأولى سابقا ليلى طرابلسي، عن أيام الثورة التي غيرت مجرى التاريخ في تونس الخضراء.
تعود ليلى بن علي في كتابها "حقيقتي" الذي صدر في العاصمة الفرنسية باريس، بالتفصيل إلى تاريخ 14 كانون الثاني (يناير) 2011، ذلك اليوم الذي شهد انهيار النظام التونسي ومغادرة عائلتها برفقة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية.
ترصد ليلى بن علي من وجهة نظرها ساعة بساعة، ولحظة بلحظة الطريقة التي أُجبرت فيها على مغادرة بيتها في سيدي بوزيد، ومن ثمة تونس انطلاقاً من مطار العوينة العسكري وليس مطار قرطاج، مثلما أكد لها مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي، حتى التوقيفات التي طالت أفراد عائلتها، ومقربين منها.
وترد ليلى بن علي في هذا الكتاب أيضا، على كل ما وصفته بادعاءات كاذبة وافتراءات غير مؤسسة نالت منها ومن أولادها، وهي التي وصفت بالمرأة المتكالبة على المال والسلطة. وإن كانت زوجة الرئيس التونسي السابق، تعترف باستفادة أفراد عائلتها من الطرابلسية بتواطؤ من مؤسسات الدولة من خيرات تونس، إلا أنها تحدثت عن الكثير من التفاصيل في ما يخص اتهام قريب لها بسرقة يخت في فرنسا، إلى ما سمته اللعبة المزدوجة التي لعبتها بعض الوجوه السياسية التونسية والدولية وعلى الخصوص الاستخبارات الفرنسية في الإطاحة بزوجها.
تفاصيل عدة تحاول من خلالها ليلى بن علي، دحض ما نشر وكتب عنها في هذا الكتاب الذي نشرته الزميلة "القبس" وترجمت حلقات منه، وقد تمت صياغته انطلاقا من مقابلات أجريت معها. وتنشره "الغد" بالاتفاق مع "القبس" الكويتية.
ماذا وقع في الرابع عشر من كانون الثاني (يناير) 2011؟ لقد لفّت هذا اليوم إشاعات كثيرة، وادعاءات كاذبة وأدلة مصطنعة. ولذلك عليّ أن أبدأ بسرد الوقائع بدقة، مثلما لاحظتها وعشتها، لقد كانت أحداثا ميّزت رحيلنا القسري من البلاد.
في ذلك الصباح، استيقظت في حدود الساعة الثامنة صباحا في بيتنا بسيدي بوزيد.
كان الجو جميلا والبحر أزرق اللون وهادئا، لكن رغم ذلك لم أكن قادرة على الاستمتاع بمثل هذا المنظر، لأن الأخبار التي كانت تصل منذ بضعة أيام، غير مطمئنة تماما.
كانت موجة من الاحتجاجات تعصف بالبلاد، وقد انطلقت في بعض مناطق الجنوب والوسط، لتنتشر وتمتد إلى العاصمة.
في تلك الفترة بدأت عائلاتنا بالقلق، فبيت الزوجة السابقة لأخي ناصر احترق، أما شقيقتي جليلة فقد لجأت إليّ برفقة عائلتها منذ يوم الأربعاء، أي بعد يومين من ورود معلومات إليها تفيد بوجود عصابات، قررت الاعتداء على عائلة طرابلسي وأملاكها. والأمر نفسه وقع مع أخي بلحسن، الذي قرر هو الآخر قضاء بضعة ليال عند زوج والدته برفقة زوجته وأولاده.
كنا ندرك بالتأكيد أننا نعيش مرحلة صعبة، لكني لم أكن اعتقد أن الأوضاع ستتدهور بهذا الشكل ولا أننا سنغادر بعد بضع ساعات.
في تلك الجمعة 14 كانون الثاني ( يناير)، فوجئت بتدفق أفراد أسرتي على بيتي، تقاطر الجميع على بيتي، وكان من بينهم أخواتي وإخوتي وأبناء إخوتي وأولادهم وشقيقات زوجي، بالإضافة إلى أقرباء لبن علي.
كان الجميع يتحدثون عن فوضى، وعن خطر حقيقي بات قريبا، بعد أن أرسل لهم رئيس الأمن الرئاسي علي السرياطي سيارات رباعية الدفع، حتى يجتمعوا عندي في سيدي بوزيد، لكني في الواقع لم اكتب أي شكوى ولم أرسل أي رسالة إلى أفراد عائلتي عن طريق السرياطي.
لقد كلمهم هذا الأخير وشجعهم على مغادرة البلاد، وكان يقول "إنها تحترق"، ثم تكفل بتوفير حجوزات لهم على الرحلات المتوجهة إلى كل من ليون وطرابلس، على أن يعودوا إلى تونس بعد أن يستتب الأمن وتعود الأوضاع إلى مجاريها.
استعد الجميع للرحيل واتجهوا إلى مطار قرطاج التونسي، بينما انشغلت أنا بمن سيغادرون متأخرين إلى طرابلس، وكان من بينهم الزوجة السابقة لأخي ناصر مع ابنها حسام وزوجة ناصر مع أولادها الثلاثة. لم يكن الجميع ينتظرون أن تكون المغادرة بهذه السرعة، لقد أتوا بدون حقائب، وكانت النساء يرتدين نعالا منزلية، فيما كان الأطفال بلا معاطف، وقد أعرتهم القليل مما هو موجود للسفر.
بن علي يطلب من ليلى أداء عمرة
في حدود الساعة الثالثة والنصف عصرا تلقيت مكالمة هاتفية من قصر قرطاج، وكان زوجي هو المتصل.
لقد اقترح علي الذهاب لأداء عمرة برفقة ابني محمد وابنتي حليمة. كان الطلب مفاجئا للغاية فسألته لماذا نذهب فجأة هكذا للمملكة العربية السعودية؟ فأجاب بن علي "فقط حتى تعود الأوضاع لحالتها العادية، ستعودون بعد ثلاثة أيام او أربعة".
كان علي السرياطي هو من اقترح على بن علي ذلك، كنت متأكدة من الأمر، لكني لم أفهم أهمية هذا الاقتراح ولا أسباب استعجال رحيلي: كيف يمكن لي أن أصدق أن بضعة آلاف من المتظاهرين يمكن أن يشكلوا خطرا علينا، ما يجبرنا على الرحيل؟
كنت أثق في زوجي وفي قدرته على استعادة الأمن وإخراج البلاد من الاضطرابات التي تهدد هدوءها، وكيف لا أثق به، وهو الذي كان يلقب ب"جنرال الأزمات"، قبلت الفكرة في النهاية لكن بدون اقتناع.
في تلك الأثناء وصلت ابنتي حليمة، قادمة من قصر قرطاج، حيث كانت هناك برفقة خطيبها، للاطلاع عن كثب على ما يحصل، لكنها وصلت وفي جعبتها رسالة من والدها "علي أن أمرّ عليه في مكتبه، لأودعه وأسرع في المغادرة". في حدود الساعة الرابعة عصرا غادرت البيت أنا وابني محمد البالغ ست سنوات وابنتي حليمة وخطيبها، بدون أن يكون أمامنا متسع من الوقت لترتيب حقائبنا، لكني اكتفيت بحقيبة صغيرة وضعت فيها ملابس لمحمد الصغير، فيما وضعت في الحقيبة الثانية زوجا من الأحذية وعبايات لأداء العمرة ومستلزمات الحمام.
كانت حليمة ترتدي جينزا، وأما كل متاعها فهو معطف لا غير، فلا شيء يواسيها اليوم سوى أنها لم تنس ارتداء خاتم خطبتها.. هذا ما أقوله ردا على بعض القصص التي أوردت أني غادرت محملة بعشرات الحقائب.
لم آخذ أي مجوهرات ولا ملابس ولا الملابس البسيطة التي تُرتدى يوميا، ولم يكن بحوزتي لا مال ولا جواز سفر. وقد قيل اني ذهبت محملة بأطنان من الذهب، أخذتها من البنك المركزي بعد أن سطوت عليه.
لقد كذبت إدارة البنك كل هذه الافتراءات الكبيرة، وأخيرا قيل إنهم عثروا على مبالغ مالية هائلة في قصر سيدي بوزيد بعد رحيلنا. نعم كنا نملك سيولة وهذا أمر عادي في الصناديق الشخصية لرؤساء الدول، لكنها مبالغ لا يمكن أن تصل قيمتها إلى 41 مليون دينار تونسي مثلما قيل.
مغادرة على وقع نباح الكلاب
غادرنا قصر قرطاج على وقع نباح الكلاب التي يبدو أنها اشتمت رائحة المأساة، وأما في الخارج، فكان الشارع مهجورا ولا أثر لأي دبابة، لم تكن هناك سوى سيارة شرطة متوقفة بمفردها أمام عمارة، وأما في الأسفل فكانت هناك مدرعتان تابعتان للجيش التونسي فقط. لأول مرة شعرت بأن هناك أمرا غير طبيعي يجري.
اتجهنا نحو قصر قرطاج، حيث كان علي أن أودع زوجي قبل المغادرة مثلما كان متفقا عليه، لكن لم يكن هناك أي حارس أمام المبنى الرسمي، فيما كانت الأبواب كلها مشرعة، ولم تكن هناك سيارات للمرافقة ولا للخدمات، فيما لمحت دبابتين فقط على الرصيف.
ذهلت مما رأيت وتصورت بأننا في زمن الحرب، فيما انتابني شعور بأن الشر سيحيط بنا من كل صوب.
في داخل القصر وأمام مكتب الرئيس، رأيت سيارات رباعية الدفع متوقفة، بالإضافة إلى سيارة علي السرياطي، فيما كان هناك أفراد من الحرس الشخصي وسائقون، اقترب مني احدهم وترجاني "أرجوك سيدتي، أخرجيه من هنا، على الرئيس أن يرحل".
لم أفهم معنى ما كان يقوله هذا الرجل واقتربت من المكتب للدخول. كان زوجي محاطا بمدير التشريفات الرئاسية (البروتوكول) محسن رحيم ومدير مكتبه إياد اودرني ونجله مروان مبروك، زوج إحدى بناته من زواجه الأول، والذي لم يتأخر في مغادرة المكان.
بن علي يرافق عائلته إلى المطار
كان مدير الأمن الرئاسي علي السرياطي قلقا ويتحدث عن أخطار كبيرة، حيث حاول إقناعنا بضرورة أن أرحل برفقة الأولاد، وانتهى إلى إقناع الرئيس بمرافقتنا إلى المطار، مثلما جرت عليه العادة.
بقينا خمس دقائق فقط، ثم طلب الرئيس من أحدهم الذهاب إلى البيت لإحضار جوازات السفر، في تلك الأثناء
صرخ السرياطي "أي بيت؟ وأي جوازات سفر؟ ليس أمامنا أي وقت، علينا الرحيل فورا".
لم يكن أمامنا متسع للتفكير منطقيا، ورغم ذلك رفض زوجي مغادرة مكتبه، وقال للسرياطي "رافقهم، أنا سأبقى هنا"، لكن هذا الأخير أصر وقال إن القصر يمكن أن يتعرض للتفجير، وإن المروحيات تحيط بالمكان وخفر السواحل يملأون البحر. شخصيا لم أر أي مروحية، ولم أفهم كلام السرياطي الذي اعتبرته مجرد هذيان، لكني لم أقل شيئا وإنما حليمة هي من أصر على أن يرافقنا والدها إلى المطار وهددته بالقول "إن لم تأت، لن ارحل". حينها قرر بن علي الخروج من القصر.
تغيير الوجهة
أنا من قاد السيارة فيما جلس زوجي إلى جانبي، وركب ابني محمد وحليمة وخطيبها إلى الوراء. كان الموكب يتكون من سيارتي وسيارة تقل الحرس الشخصي وسيارتين أو ثلاث كانت تتجاوز الموكب للحراسة، فيما كانت سيارة علي السرياطي تسير أمامنا بسرعة فائقة لدرجة أنه اصطدم بسيارة مدنية في مفترق طرق قرطاج، لكنه لم يتوقف، اعتقادا منه بأن الأمر ليس خطيرا ولا يستدعي التوقف.
وبدل أن نتوجه نحو المطار الدولي لقرطاج، المكان الذي كنا نغادر منه في العادة، اتجه السرياطي إلى مطار العونية المخصص فقط للطيران العسكري.
فوجئت من تغيير الاتجاه، لكني لم اطرح أي سؤال، فالرجل يعرف جيدا الوضع وما علي سوى السير وراءه وبسرعة كبيرة، في تلك الأثناء أنزل الرئيس المظلة الداخلية للسيارة حتى لا يتم التعرف عليه وطلب مني تخفيض السرعة وقال "لا يوجد حريق".
في الواقع لم يفهم الرئيس لم كان السرياطي يسرع لدرجة أننا بلغنا مطار العونية في ظرف ست دقائق.
في مطار العونية
رفض الحرس العسكري في البداية فتح الأبواب لنا، وتطلّب دخولنا نزول السرياطي من سيارته، وحين دخلنا لم تتم مرافقتنا إلى القاعة الشرفية مثل العادة، ولكن إلى سرداب كانت به طائرة عسكرية.
رأيت من حولي، فانتبهت إلى أن السرداب يعج بعشرات العسكريين، كانت هناك وحدات للتدخل من فرقة محاربة الإرهاب، الذي كنا نطلق عليهم اسم "النينجا" وعناصر من الحرس الوطني وموظفين في الأمن بلباس مدني، وكان عناصر آخرون يرتدون زيا موحدا أخضر اللون، لم أتمكن من معرفتهم.
وكان الحرس الشخصي التابع لنا يفصل بيننا وبين الآخرين.
رأيت أيضا مدرعات تابعة للجيش، ولكن اعتقد أنها كانت موجودة في هذا المكان منذ بدء التظاهرات بسبب حالة الطوارئ التي أُعلنت في البلاد.
المفاجأة الثانية هي أن عددا من أفراد عائلتي الذين كانوا سيتوجهون إلى طرابلس انطلاقا من مطار قرطاج لحقوا بنا، لقد سمعوا بأني ذاهبة إلى المملكة العربية السعودية، فجاءوا أملا في العثور على مكان في الطائرة التي كانت ستقلنا، لكن السرياطي حاول ثنيهم بالقول إنهم مسجلون في رحلة تنطلق عند الساعة السابعة مساء باتجاه ليبيا، وأن عليهم الرحيل فورا حتى لا تفوتهم الرحلة، وأما أنا فلم يسمح لي الوقت إلا بإبقاء أخت زوجي سعاد إلى جانبي.
في السرداب انشغل زوجي بالحديث إلى السرياطي، وكانا يتجهان نحو الطائرة وأما أنا فكنت اتبعهما مثل الروبوت ولكني لمست شيئا من العدائية، فقلت في نفسي، لو أراد أحدهم إطلاق النار على بن علي، لأصابني أنا وهذا للأسف حلم حلمت به سابقا وكنت أتذكره دوما.
مفاوضات في الطائرة
عمّ ذعر كبير، حين أعلن السرياطي أن فرقة مكافحة الإرهاب استولت على برج المراقبة وهناك تحدثت لأول مرة، ووجهت كلامي لقائد الطائرة شيخ روحو، حيث طلبت منه إطلاعي على ما يحدث بالضبط "هل نحن فعلا غير قادرين على المغادرة؟".
أجرى قائد الطائرة اتصالا هاتفيا ثم ردّ علي "لا تنشغلي سيدتي، لا أحد استولى على برج المراقبة، وسنغادر".
هل كان علي السرياطي يكذب أم كان ضحية معلومات مغلوطة؟ على كل حال ها هو يلعب مرة أخرى، لأنه اقترح على زوجي هذه المرة شيئا آخر "سيدي الرئيس، لا نعرف الوضع، لذا عليك أن ترافق شخصيا عائلتك إلى المملكة العربية السعودية، لن تخسر شيئا إن فعلت ذلك، غدا ستعود الأمور إلى مجاريها وستعود".
رأيت زوجي وقد تملكه الذهول والدهشة، لماذا يغادر هو الآخر؟ كيف سيغادر فيما يتطلب الوضع الاستعجالي الذي تعيشه البلاد وجوده؟
في تلك الأثناء كان السرياطي يسرد السيناريو المحتمل الذي رسمه بنفسه "تفجير القصر وحمام دم واغتيال محتمل للرئيس من قبل أحد حراسه الشخصيين.
بن علي يركب الطائرة
انتهى بن علي في النهاية بقبول فكرة المغادرة بسبب إصرار السرياطي وليس بسبب دموع ابني مثلما قيل، فالصغير محمد، لم يكن يعي ما يحصل، وكان قد ركب الطائرة بمجرد وصولنا إلى مطار العوينة. في تلك الأثناء وفي حضور مدير التشريفات الرئاسية (البروتوكول) محسن رحيم، استدعى الرئيس قائد الطائرة ليخبره بقراره "سأرافقكم، حتى وصول العائلة ثم نعود بعدها مباشرة، ثم استدار نحو رحيم وطلب منه إطلاع الوزير الأول على القرار".
كان السرياطي يدفع الرئيس باتجاه مصعد الطائرة خوفا من أن يغير رأيه، وحين صعدا استمر في حديثه وقال "أنا أيضا سأغادر معكم، أغراضي موجودة هنا".
فوجئ بن علي وتساءل "كيف هذا، كيف تذهب معنا؟ هل أنا من يرافق العائلة أم أنت، لكن على أحدنا أن يبقى هنا، على الأقل لضمان أمن قصر قرطاج". حينها طلب السرياطي من مضيفة الطيران أن تناوله أغراضه وكانت عبارة عن محفظة ومعطف وقبعة ثم نزل.
فيما بعد وخلال التحقيق الأول معه في السجن، زعم السرياطي أنه اتفق مع الرئيس على المغادرة وأن الرئيس طلب منه مرافقته. لكن هذا لم يحصل كان اقتراح السرياطي ويبدو أنه شعر بالراحة لأن الرئيس لم يسمح له بالسفر. وحتى خلال التحقيقات التالية التي جرت معه، وحين سئل عما إذا كانت لدى الرئيس نية الهروب، أجاب "نعم، اعتقد ذلك" وهذا كذب وافتراء حقيقي.
فبدون إصرار السرياطي لم يكن الرئيس سيصعد الطائرة على الإطلاق، ولم يكن يود أبدا مرافقتنا إلى المطار، وحين قرر المغادرة إلى المملكة العربية السعودية معنا، كان عازما على العودة في اليوم التالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.