وصلت إلى أيدي أعضاء الهيئة الوطنيّة للمحامين وفرع تونس للمحامين قائمة في المحامين الذين تعاونوا مع النّظام من أجل الوشاية بزملائهم والتآمر على القطاع من أجل ترويضه وتركيعه في الوقت الذين كان فيه رأس حربة الحركة الديمقراطيّة في وجه الدّكتاتوريّة.ومن المنتظر أنّ يأخذ أهل المهنة إجراءات حازمة ضدّ هؤلاء. الأمر نفسه قد يشمل القطاع الصّحفي إذ يروج هذه الأيّام خبر وجود قوائم في "فرسان السّلطة الرّابعة " الذين تعاونوا مع القصر أو وزارة الداخليّة أو التجمّع والتي من المنتظر أن تعرف مفاجآت من الطراز الكبير. وفي الحالتين يبدو أنّ الأمر متأخرا جدّا إذ لم نكن في حاجة إلى مثل هذه القوائم ثمانية أشهر بعد الثّورة خاصّة وأنّنا نملك من الأدلّة خاصّة في القطاع الصّحفي على أغلبيّة الصّحافيين الذين دافعوا على جرائم النّظام طيلة أكثر من عقدين وتفاخروا في العلن وعلى صفحات الجرائد وعلى شاشات التلفزيون على ارتباطهم بأجهزة بن علي السياسيّة والأمنية الفاسدة. لقد كان مركز تونس لحريّة الصّحافة قد أعلن منذ أشهر على اعتزامه تقديم قائمات مدعّمة عن هؤلاء, ثمّ أقرّ المؤتمر الأخير للنقابة الوطنيّة للصّحافيين التّونسيين توصية بإعداد كتاب أسود في الصّدد, كما أعلنت الهيئة الوطنيّة المستقلة لإصلاح الإعلام والاتصال عن مبدأ نشر كتابا أبيض عن جرائم الصّحافيين في حقّ شرف المهنة وفي حقّ زملائهم. وإذ قد يُفترض أنّ هناك صعوبات تقنيّة وإداريّة تعوق الإسراع في إعداد هذه المشاريع ونشرها, فإنّ هناك أيضا مخاوف أن يسقط بعضها في الماء سواء لتقديرات أخلاقويّة بأنّ للصّحافيين المعنيين أبناء وأسر قد تتضرّر من ذلك, أو لرؤية إستراتيجيّة تُلغي المحاسبة لفائدة المصالحة. غير أنّ هناك من يُؤكّد أن هذا البطء قد يكون مقترنا بمرور إعلام الثّورة ورجالاته إلى موقع الدّفاع في الوقت الذي أعاد فيه إعلاميو بن علي والحكومة المؤقتة صفوفهم وتجاوزوا مرحلة الخوف والتفوا على الهوامش التي اتسعت أسابيع بعد 14 جانفي الماضي, ممّا ولّد نزوعا إلى التلاؤم مع الأمر الواقع ومحاولة التّموقع فيه والجري وراء الحصول على وظائف ومسؤوليات في المؤسّسات الإعلامية العموميّة والخاصّة. وفي كلّ الحالات فإنّ ما ألاحظه سواء في ما يُنشر بخصوص هذا الموضوع أو في ما أخوضه من نقاشات مع أهل المهنة أنّ هناك تهوينا من الدور القذر لأولئك الصّحافيين ومحاولة لإنزاله تحت مستوى الجريمة وكأنّ بن علي لم يبسط ديكتاتوريّته إلّا بفضل القوّة الأمنيّة الغاشمة وبأساليب التّعذيب والتّقتيل والسّجن والتّنكيل, متُناسين بربريّة القوى النّاعمة في إسناد هذه الأساليب وفي التّنسيق مع منفّذيها والآمرين بتنفيذها بل في إستباقيتها لذلك في بعض الأحيان. ولعلّ شهادة صحفي جريدة الصّحافة محمد السبوعي قد تُغنينا عن كثير من الشّروح إذ أكّد لي أنه لمّا عاد إلى تونس في سنة 1991 – 1992 بعد أن قضّى تسعة أشهر ونصف في السّجون اللّيبيّة على خلفيّة قيامه بمهام تجسّسيّة لفائدة النّظام التّونسي, أمّنت له وزارة الدّاخليّة وظيفة في جريدة الأيّام وتمّ تكليفه برصد تحركات الليبيين الوافدين إلى تونس والتي قام بها على أحسن وجه.وقد تمّ في مرحلة ثانية تحويل نشاطه إلى الساحة الصّحفيّة وأوّل مهمّة كلّف بها كانت مراقبة حركات الكاتب والصحفي حسن بن عثمان وسكناته.وحول هذا الموضوع يقول:"لقد سارعت إلى البحث عن بن عثمان الذي أكنّ له كلّ تقدير لأنّه سبق أن استضافني في بيته وأكرمني, وقلت له أنّ الدّاخليّة طلبت منّي مراقبته فتجهّم وجهه وعبس وغضب منّي لأعود بعدها إلى وزارة الدّاخليّة لأجده رفقة الضّبّاط الذين كلّفوني بهذه المهمّة وكان من بينهم توفيق الديماسي المدير العام الحالي للأمن العمومي, فضحكوا منّي وقالوا لي فشلت في الامتحان وتخلّوا عنّي إلى يومنا هذا". الفاهم بوكدّوس ° نشرت هذه البطاقة في العمود الأسبوعي " بالمرصاد " بصحيفة صوت الشعب يوم الخميس 15 سبتمبر 2011