يفاجئنا ولاّت وأمورنا من حين لآخر بمواقف قوية وشجاعة لا يملك المرء إلا أن يثني عليها ويباركها وإن صاحب ذلك استغرابا مردّه إلى أن الشيء من غير مأتاه مستغرب! فقد صَحَت الآن "حكومتنا" العتيدة وانتبهت إلى أن هناك قطاعا اسمه "سياحة جنس"! ... يعمل فيه أقوام خارجون على القانون! ... لهم قدرة على التخفي والحصانة من المتابعة! ... يتاجرون بفلذات أكباد التونسيين من الأطفال فيعرضونهم لحما حراما في سوق كلاب! صح نومكم الذي طال يا قوم! "وعمتم" صباحا! ... "استيقظتم" متأخرين بعد أن فات الأوان! وهتكت الأعراض وعمت الأمراض! ولكن المهمّ أنكم استيقظتم! ... لتضربوا على أيادي الجناة ولتمسحوا دموع الضحايا وتعالجوا جروحهم النفسية! ولكن لسائل أن يسأل، أين الخلل؟ ولماذا يقع هؤلاء الأطفال ضحايا دراهم معدودات؟ ... والحال أن "الحكومة" قد أطعمت الناس من جوع وأمّنتهم من خوف! ... وعدلت في توزيع الثروة! ... ووسائل الإنتاج! ... واتاحت لجميع مواطنيها فرصا متساوية في الكسب المشروع والعيش المستور؟ أهو خلل في التربية أم خلل نفسي؟ لماذا يقع أطفالنا ضحايا هذا النصب والاحتيال؟ ... وعيون أعوان "الحكومة" ساهرة لا تنام!... لماذا يكثر الحديث عن عصابات الإتجار في الجنس وشبكات استغلال الأطفال لانتاج الأفلام الداعرة؟ والصور المشينة؟ ... ولا نكاد نسمع حديثا عن شبكات اتجار في السلاح ، أو"عصابات" سياسية تهدف لقلب نظام الحكم؟! لماذا يفلح "الأمن" في تأمين السلطان ويفشل في الحفاظ على رعايا السلطان؟ أم أنه مجتهد هنا، شريك هناك؟؟ ولماذا حدثت الصحوة الآن بالذات وليس قبل هذا الوقت أو بعده! أسئلة كثيرة تقرع الذهن، توجهت بها لصديق من أصحاب النوايا المبيّتة والذين يعتبرون الشكّ طريقهم للمعلومة! فأجابني: " لا يغرنك ما تقرأ وتسمع، فلا علاقة للأمر بالصحوة أو الغفلة وإنما الأمور كلها مدروسة وتحت السيطرة! ... "سياحة الجنس" في صفوف الأطفال، منتشرة في شرق العالم وغربه! ولسنا بدعا من القوم! ... وما يحصل عندنا يحصل عند غيرنا! ... هم يعلمون بذلك ويعرفون من "يستثمر" في "القطاع" ومن هم زبناؤه! ولا تصدق أن ما حصل في "قابس" من قبل سواح من جيراننا مسألة معزولة ، حدثت بسبب عدم مراعاة حقّ المضيّف ولا أدب الضيافة! ... إنما المسألة أوسع من ذلك بكثير، فهي منتشرة في كل البلاد وخاصة منها المدن السياحية! ... بعضها علني وأكثرها "سري"! وتجارها متنفذون! وأما زبائنها فمن كل الملل والنحل!" قلت إن كان ما تزعم حقّا فكيف تفسّر الهجوم على مجموعة بعينها من السواح؟ قال إن كنتَ حقّا باحثا عن جواب لسؤالك فاقصد "بن قردان" لترى جموع التونسيين الذين كانوا يسترزقون من الاتجار المباح من جارتنا! ... ولكنها ضيقت عليهم الخناق مؤخرا واشترطت عليهم شروطا مجحفة لدخول أراضيها! ... فأرادت "حكومتنا" أن تنتقم من بعض مواطني جارتنا، كما انتقموا من مواطنينا، فكان الضرب تحت الحزام! لا تعتقد ان المسألة صحوة ضمير أو ثورة شرف! ... فهؤلاء القوم يَكْلُمُونَ أعراضهم لجني المال من غير أن يسكروا! ... وكل ما تسمعه عنتريات كاذبة! وليتهم تعلموا من عنترة قوله: فإذا شربت فإني مستهلك *** مالي، وعرضي وافر لم يُكْلم! ثم ماذا تفهم يا صاحبي من التشهير الآن بما يسمّى "الإتجار بالجنس" في صفوف الأطفال! ... هل معنى ذلك أن الأمر مستساغ في صفوف الكبار؟ ... وما الفرق بين طفلة تنقص يوما عن 16 سنة أو تزيد يوما؟ ... "تجوع الحرة ولا تأكل من ثدييها" ويموت "الأب" جوعا ولا يبيع بناته! ... وليت الذين يتشدقون بالشرف هنا ينصفون كل الضحايا والأرامل اللواتي يتعرضن للتحرش من كبار متنفذين ولا يجدن من ينصفهن ويسترهن ويضرب على أيادي العابثين! ليتهم يصدقون في: " نموت ! نموت ويحيا الوطن"! ويلحقون بها :"نجوع نجوع ولا نبيع أعراضنا"!!