وراء هذه الوجوه البريئة والغابرة في واقع مرير، يشير واقع الأطفال في القرى النائية بعدد من مناطق البلاد إلى أنهم يعيشون تحت وطأة ظروف أقلّ ما يقال عنها أنها لم ترتق بعد إلى مستوى التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق الطفل وتجرم كل ما يمس تلك الحقوق أو من يعتدى عنها فضلا على تلك الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها بلادنا. استغلال مجهودات الأطفال والعبث بحياتهم وتعريضها لأخطار قد تبدو النجاة منها أمرا صعبا للغاية يتم في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع من كل المسؤولين . الأطفال الذين التقطتهم كاميرا "كلمة" في إحدى قرى الشمال الغربي والذين لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات كانوا يمتطون الدواب بعد أن قطعوا الكيلومترات والثنايا الملتوية لجلب الماء الصالح للشراب لمنازلهم، إمّا استجابة للأوامر العائلية وإما استجابة لوطأة فقرهم وحاجتهم وخاصة العطش. وسط هذا المشهد تغيب ثقافة حقوق الطفل والمحافظة على صحته حتى وان كان الخطر محتملا جدا. الأب يعمل في إحدى الحضائر بتونس العاصمة والأم تعمل بإحدى الضيعات ولم يبق بالبيت سواه، ينهي دراسته وبعد ان يصل منهكا القوى من مدرسته النائية يجد الحمار وحاويات الماء ينتظرانه. يتذكر أن لا مفرّ من "طريحة" وان لم تكن طريحة فانه لا هروب من عطش مضمون الحدوث لذلك يضطر إلى التنقل لكيلومترات وساعات باحثا عن قطرة ماء يوفرها للطبخ والشرب غير مبال بما يمكن أن يعترضه من مخاطر الطريق. ذلك هو واقع أطفالنا في عدد من القرى الريفية النائية... بين شعارات السلطة المتباهية بنسبة 98 بالمائة معدل تزويد المناطق الريفية بالماء الصالح للشراب وبين مئات المواطنين الذين يلهثون يوميا صباحَ مساءَ من أجل حفنة ماء يسدّون بها رمق عطشهم.