"وزارة الداخلية وزارة إرهابية": شعار تصدح به آلاف الحناجر في بلدي منذ سنتين. شعار أتجنّب عادة رفعه. فأنا صحفي "محترم" و منضبط و متربي وفرح جدا بثورة أطاحت بنظام قامع لأبسط الحريات. أنا، و أعوذ بالله من كلمة أنا، كما يقول بعض من يدعي التواضع، أستنكف من الشعارات التعميمية التي قد تخدش مشاعر رجال أمن يسهرون على أمن المواطن والممتلكات كما قيل لي في المعهد الثانوي.
لكنّ المهازل التي حصلت اليوم في وزارة الداخلية تفرض أن "أتنازل" قليلاً عن حياديتي المقيتة و أن أصرخ عالياً بأن وزارة الداخلية التونسية هي وزارة تمارس العنصرية بامتياز.
وصلت في منتصف النهار للمبنى الرهيب بعد قراءتي "زقزقةً" لصحفي فرنسي أعلمني أن وزارتي التونسية تنظّم ندوة صحفية للإعلان على إماطة اللثام عن قتلة شكري بلعيد. هكذا لم تكلّف الوزارة نفسها عناء دعوة الصحافيين عبر صفحتها الرّسمية. إختار مسؤولوها مهاتفة بعض الزملاء وعلى رأسهم ممثّلي الصحافة العالمية.
-"إسمك موجود في القائمة؟" سألني عون أمن. -"عن أية قائمة تتحدث؟" أجبته مستنكراً. -"قائمة المدعوين". -"شبيه عرس ولاّ ندوة صحفية؟!" صرخت في وجهه.
وُضِعت إذاً قائمة دون أن يعرف أحدنا أُسسها. دخل المحظوظون الموجودة أسماؤهم وولج طبعاً المراسلون الأجانب ومنهم من وصل تونس منذ ساعات فقط. دخل كذلك "ولاد الدّار" ومنهم كاتب مرتزق قاد انقلابات ضدّ الصحافيين المناضلين ومنهم مليونير أشرف على حملات بن علي المسماة جزافاً بالإنتخابية. بقي بعض العشرات من الزملاء- وأنا منهم- أمام أبوابٍ موصدة. رفض المسؤولون الحديث معنا وتعللوا بضيق القاعة. اقترحت على الزملاء اقتناء "باروكة" شقراء و عوينات زرقاء أو أن نسبّح بحمد الحكومة علّنا نصبح من المحظوظين الذين توجد أسماؤهم على القوائم "الطرّوشية". أرفض شخصياً اعتذارات علي العريّض و أندّد بالتّضييق على الصّحافيين. و كما يقول الشّاعر: "أحنا اولاد نظاف تحبّوا تردّونا مجرّما؟"