سؤال تبادر إلى ذهني وأنا أطلع على موقف نقابة التعليم الثانوي من القرار الجديد لوزارة التربية المتعلق بتحية العلم، مفاده هل كل ما يصدر عن وزاراتنا ومسؤولينا خطأ وجب رفضه والتصدي له؟ ألا يعقل أن يصدر عنهم شيء فيه مصلحة للبلاد والعباد؟ ثم كيف نأتمن الوزارة على تربية فلذات أكبادنا ولا نقبل منها مسألة شكلية ترتيبية؟ إذا سلمنا جدلا بأن السمة العامة لقرارات مؤسسات السلطة هي قرارات غير سليمة هدفها الأساسي خدمة ذوي الأمر والسلطان وإحكام القبضة على الشعب المسكين وناشئته، أفلا يجدر بنا أن نتوقع بأن في تلك المؤسسات رجالا يحبون الخير ويبغون الإصلاح ما استطاعوا لذلك سبيلا، يخفون غاياتهم النبيلة كما أخفى مؤمن آل فرعون إيمانه وأظهره عندما تآمر القوم لقتل موسى عليه السلام؟ ولشرح الموضوع لمن أُبعد عن ساحات الأعلام وحُرم من تكحيل ناظره بها و"مسح دمعه في احمرارها*"، فإن تحية العلم كانت تتم من قبل التلاميذ في ساحات المدارس والمعاهد بشكل جماعي، ذكر أحد المغرضين أنها أصبحت تقليدا مهجورا، ربما لضعف الوطنية لدى بعض من تسرب إلى المسؤولية على تربية نشئنا! ... وهو الأمر الذي تداركه "ذو القرار" وأراد له أن يحيى ليُغرس حب ّ العلم وحبّ الوطن في قلوب أجيال المستقبل! فقرر أن تُأدى التحية في كل قسم على حدة كي يُعرف المربّي الوطني من اللاوطني وكذلك رأفة بأبنائنا من الوقوف عرضة لعوامل المناخ القاسية، تلفحهم الريح ويلسعهم البرد ويبللهم المطر وتحرقهم الشمس! فيكونوا آمنين من كل المؤثرات الخارجية ليشعروا بالصدق والخشوع وهم يضعون أيديهم اليمنى على قلوبهم ويهتفون بالوفاء للعلم ولقيم الجمهورية! والغريب أن أحد المهووسين بالقلاقل قد زعم أن خلفية القرار جاءت اعتمادا لمبدأ " فرق تسد"، أي أن السلطة قد بدأت تخشى من اندلاع الشغب وسط التجمعات الكبرى للتلاميذ، خاصة بعد الأراجيف والدعايات التي تُسرّب لهم من فوقهم ومن تحتهم، تهز ثقتهم بولاة أمورهم وتمس من ولائهم لأعلامهم وأوطانهم! ... حالمين بأنه ربما أشعل أحد التلاميذ فتنة لتتحول جموع التلاميذ إلى جموع هادرة ضد التمديد أو التوريث ومدافعة عن العلم وتضحيات الشهداء!! وفي مقابل هذا الفريق زعم أحد أوفياء "الملكية" أنه بعد أن أقرّ الله عينه بالعودة التدريجية للنظام الملكي الوراثي، تآمر مندسون وسط السلطة على المسألة وأرادوا "تجرئة التلاميذ ضد فكرة التمديد وضد التوريث" ورأى "أنهم يعدون لانقلاب ناعم في أذهان الشباب بمحاولة ترسيخ قيم الجمهورية بما هي منافية لفكرة التمديد"! واعتبر "أن الذين يرفضون نص التحية هم الذين يرفضون التمديد**"! معوّلين على الشباب حسب زعمهم ليدافع عن رمزية العلم وتضحيات الشهداء وقيم الجمهورية التي تتنافي مع الرئاسة مدى الحياة والملكية، علنية كانت أو مقنعة! من ناحيتي فإني أثني على قرار وزارة التربية لعدة اعتبارات، أحدها أنه سيقلل من عدد أصحاب الشهائد العاطلين عن العمل، ذلك أن المربين المخالفين سيتركون أماكنهم لغيرهم من المعطلين، والتلاميذ الذين يمتنعون لن يكون لهم في الشهائد نصيب، ومن خلف هؤلاء وأولائك فريق يحصل على وظائف لحماية القرار الرشيد! وتحيا الملكية وتسقط الجمهورية! * تعبير للشاعر بحري العرفاوي