نسبة الأمطار التي تساقطت أخيرا على بلدة الرديف والتي تسببت في دمار كبير ..أزهقت الأنفس وأتلفت المحاصيل والمواشي وأصابت بنايات بأضرار وسوّت بأخرى الأرض . هذه النسبة التي توحي تداعياتها بأمطار طوفانية لم تكن كذلك بل لعلّ الكثير من الجهات أصابها في مناسبات سابقة ضعف ما أصاب الرديف الممحون، إنّما المشكلة تكمن في هذه البنية التحتية الهشّة هشاشة مريعة ومفزعة... فما كان لهذه الكمية من الأمطار أن تحدث هذا الفزع الرهيب وأن تحصد هذه الأعداد من الأرواح البريئة لو كانت الرديف تحتكم على منازل وطرقات ومحلات من فصيلة الأبنية الصالحة للإستعمال!! لقد كانت هذه المدينة عبارة على أطنان من كتل الإسمنت والإسفلت والحديد المتكدّس والمنتهية صلاحيته يبعث فيها عرق عمّالها وأنفاس ناسها شيئا من الحياة... والآن وبعد أن وقف الرأي العام الوطني على حال بلدة قوّضتها سيولا إذا اجتاحت مدن متوسطة البنية لن تكون لها تلك المخلّفات الجانبية القاسية عوضا على أن تكون تدميرية . هذا الدمار الذي خلفته "النو" الغزيرة يشكّل ملامح إجابة عن دوافع انتفاضة الحوض المنجمي ... الآن وبعد أن وقف الكل عند بعض الأسباب التي أجبرت أهالي الرديف والحوض المنجمي ودفعت بهم خارج منازلهم ليصرخوا من شدّة الألم والفقر والحاجة فألقي بهم في السجون ووصفوا بالشرذمة وعصابة الأشرار والمخربين... لقد خرجوا حفاة عراة في وجه الرصاص الحيّ..للفت نظر "ولاة الأمر".. لينبّهوا الرأي العام قبل حلول المصيبة !!! فكتمت أصواتهم كأنّ جلادهم يترقب السيل حتى يجرفهم بعيدا عن أنظاره.. ها هي الطبيعة تنصفهم وتثبت أنّ الناس لم يخرجوا من ديارهم عبثا عشية انتفاضة الحوض المنجمي، إنّما خرجوا ليعلنوا أنّهم أموات أحياء يعيشون تحت خط الفقر يفتقرون إلى أبسط متطلبات الحياة فلا أمن غذائي، ولا أمن صحي، ولا أمن سكني، ولا حتى أمن جسدي ... بعد كل هذا وبعد أن عرّت الطبيعة المستور يتعجب القاصي والداني عن ماذا يفعل سجناء الحوض المنجمي إلى الآن في سجونهم ؟؟ أبعد أن قال المطر كلمته مازالت السلطة تعاند وتكابر ..أم أنّ النظام يترقب حتى تفيض عليهم زنازينهم وسجونهم فيجرفهم السيل مع من جرف؟؟!! السماسرة على الخط بينما رائحة الموت تفوح من كل مكان والدموع اختلطت بالدماء والصراخ،، بالعويل والأنين والألم.. بالحسرة والأسى .. بينما رِجْل تلوح هنا ورأس يطفو هناك، وبقايا ملابس متناثرة عالقة هنالك .. بينما أمّ تقلّب طبقات الوحل تبحث عن رضيعها هنا ، وشيخ يبحث عن عجوزه هناك .. وبينما الموت منثورا في كل مكان وأهالي الرديف مايزالون في جلبته الأولى يدفعونها عنهم وعن بناتهم وأبنائهم بإمكانياتهم البسيطة .. في هذا الوقت تنبر بعض الصحافة الصفراء المتبلّدة النيّة لتقفز فوق جراح الأحرار وتعلن أنّ أهالي الرديف نسوا آلامهم وجراحهم وتركوا جثامين قتلاهم وألقوا بالفأس والمسحات في أرض المقبرة وجاؤا بطمّهم وطميمهم ليشكروا المجهودات الجبّارة لسيادة الرئيس !!!!! ما هذا؟؟؟...أتجارة بالدم !!! عائلات نصف أبنائها في السجون ونصفهم الآخر جثث تحت الوحل يهرعون للثناء على الرئيس؟؟!!.. إذا في عرف تجّار الكلمة وأرباب التزلّف يكون أهل الرديف المبتلى قد انشغلوا عن تكفين وتغسيل وتسجية أبنائهم وانهمكوا في شكر الرئيس !!!يا للعار.. يا صحافة العار!!!. مبادلة الأموات بالأحياء يبدو أنّ بعض المنشطين لحملة الرئيس الإنتخابية والأوفياء جدا جدا لمبادئهم قد يقترحون حلا لتسوية ملف الرديف ولو مؤقتا ، المقترح يتمثل في حصر ضحايا الفيضانات حصرا دقيقا والأمر يتعلق بالأموات دون غيرهم من المتضررين، ويستثنى أولئك الذين مازال فيهم رمق أو طرفة عين وحتى الأموات كلينيكيا وسريريا . .وبعد الحصر لأعداد الموت الصافي يقترح مبادلتهم بالسجناء على كل ميت سجين والمبادلة تكون بين أهل الميت والنظام ولن يسمح بتدخل الجهات الأجنبية من بقية أهالي الرديف وأهالي الجنوب وأهالي تونس عامّة ممن لا دخل لهم في الأمر لا من بعيد ولا من قريب، كما أنّه لن يسمح بتدخّل "السلطات المصرية"!! ولا أيّة جهة "ألمانية"!! بالأمر، الكلّ تكتنفهم السلطة برعايتها أسرى وقتلى.. أولئك في زنازينهم وهؤلاء في مقابرهم .