تصاعدت وتيرة الاحتجاجات خلال الفترة الأخيرة في جهات عديدة من الجمهورية التونسية على غرار ولاية جندوبة وقفصة وزغوان، مما أثار بعض التساؤلات حول تزامن هذه التحركات مع بداية ظهور ملامح الحكومة وتسلم المجلس الوطني التأسيسي لمهامه. "لا يمكن أن تؤثر الاحتجاجات على المسار الانتقالي الذي تمر به البلاد التونسية بأي شكل من الأشكال". هذا ما قاله السيد علي سلطان كاتب عام النقابة الجهوية لقوات الأمن الداخلي بقفصة خلال حوار هاتفي مع راديو كلمة، وأكد أن "الاحتجاج الذي قام به الأعوان يوم أمس، كان مقررا من قبل في خصوص منح ساعات العمل الليلية التي لم تصرف إلى حد هذه اللحظة، ونضيف إليها، عدم تحصلهم على المستحقات المالية التي رصدت لهم بمناسبة انتخابات المجلس التأسيسي". وعليه، فقد وصف السيد علي سلطان مطالب المحتجين "بالمشروعة" و"لن تساهم في تعطيل عملية الانتقال الديمقراطي"، بل أكد "وقوف عون الأمن جنبا إلى جنب مع المواطن، لتحقيق الأمن والسلم الاجتماعي"، خاصة بعد "إنجاحهم صحبة قوات الجيش الوطني امتحانات الباكالوريا في الوقت الذي شهدت فيه الجمهورية التونسية أحداث عنف تسببت فيها النزعة العروشية في بعض الجهات"، بالإضافة إلى مساهمتهم في "إنجاح انتخابات المجلس الوطني التأسيسي النزيهة والشفافة والديمقراطية في أول بلد عربي مسلم شهد ثورة هي الأولى من نوعها في تاريخ الشعوب العربية كلها وشاركت فيها جميع الفئات الاجتماعية". وأضاف أن الاحتجاج الذي قام به الأعوان لم ينجر عنه أي انفلات أمني، بل كان في كنف من الاحترام بين جميع الأطراف، وأكد أن عون الأمن سيؤسس لعلاقة جديدة مع المواطنين تقوم أساسا على خدمة الوطن وتكريس سيادة الشعب. "مطالب المحتجين مشروعة وتساهم في الحركية الاقتصادية" من جهته، قال السيد عبيد البريكي، كاتب عام مساعد الاتحاد العام التونسي للشغل، أن "الإضرابات تم التعامل معها بطريقتين مختلفتين: فقد تم تهويل بعض الاحتجاجات، التي تتعلق بالمفاوضات الدورية حول الزيادة في الأجور، وإذا تمت مقارنتها بالإضرابات السابقة (قبل ثلاث سنوات) التي بلغت 36 تحركا في المؤسسات فسنجد انه لا مجال للمقارنة مع العدد الحالي للاضرابات الذي لم يتجاوز الستة إضرابات"، وبالنسبة إلى الطريقة الثانية، فتتمثل في "قراءة الإضرابات بخلفيات وهمية، حيث تساءل البعض حول توقيتها وما إذا كان لذلك علاقة بانتخابات المجلس التأسيسي"، في هذا الصدد، يقول السيد عبيد البريكي، أن هذه التحركات كانت مقررة قبل انتخابات المجلس التأسيسي، وتم تأجيلها لأن الاتحاد العام التونسي للشغل كان قد تعهد بتوفير مناخ من الاستقرار لإجراء الانتخابات. ويضيف السيد البريكي، "إنها إضرابات عادية يطالب المحتجون من خلالها بالزيادة في الأجور"، مؤكدا في ذات الوقت، أن "المؤسسات التي تم الاتفاق في شانها لم تقم بأي إضراب، وإنما قام عمال الشركات التي لم يصدر في شأنهم أي قرار بالزيادة هم الذين قاموا بالاحتجاجات". كما تطرق السيد عبيد البريكي إلى "وضع صاحب المؤسسة الذي يستطيع أن يطور من مشروعه من خلال أخد قروض يمكن أن تساعده على تجاوز أي أزمة يمكن أن تطرأ على المؤسسة، على عكس العامل الذي يعاني من ارتفاع الأسعار وتقع على عاتقه مصاريف العودة المدرسية والأعياد والمناسبات التي يحتفل بها الشعب التونسي على أساس انه شعب عربي مسلم وهو يقتضي الأخذ بعين الاعتبار وضعية العمال لتحقيق مبدأ يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي". وقال أن هذه "الإضرابات سينجر عنها زيادة في الأجور مما سيؤدي إلى خلق المواطن المستهلك، ولا يمكن أن نحقق انتعاشة اقتصادية دون الحديث عن قدرة استهلاكية لدى المواطن" وأضاف أن "هذه الإضرابات تأتي في إطار دورة اقتصادية من اجل تحقيق مطلب تحسين الأجور الذي سيؤدي بدوره إلى خلق المستهلك مما سيساهم في الحركية الاقتصادية". عبد الجليل البدوي يخالف عبيد البريكي في الرأي السيد عبد الجليل البدوي، الخبير الاقتصادي، كان له رأي أخر حول الموضوع، فقد أكد أن "هذه الإضرابات لها أثار ومخلفات كبيرة على الاقتصاد التونسي لأنها تساهم في توقف الحركة الاقتصادية، فمثلا، عندما تتوقف حركة المناجم وتتعطل عملية تكرير النفط سيؤدي مباشرة إلى تعطيل حركة الإنتاج والتصدير، وسيؤثر ذلك على أسعار الفسفاط، وعندما تتوقف الحركة الاقتصادية، سينجر عن ذلك محدودية أفاق التشغيل بالنسبة إلى العاطلين عن العمل، ويضاف إلى ذلك عدم التفكير في مشاريع توسعية من شانها التخفيف من تأزم الأوضاع الاقتصادية وخلق مواطن شغل عديدة". وأكد خطورة هذه التحركات خاصة في الفترة الانتقالية للبلاد التونسية التي تتطلب تكاتف جميع الجهود من أجل إنقاذ الاقتصاد الوطني وإخراجه من أصعب الأزمات التي يمر بها، خاصة مع الانطلاقة السياسية لتونس التي ستسمح ببداية اقتصادية جيدة إذا سمحت الظروف العامة بذلك". رضا السعيدي (حركة النهضة): أطراف نقابية تستغل هشاشة الوضع وبالنسبة إلى السيد رضا السعيدي، المكلف بالبرنامج الاقتصادي لحركة النهضة، فقد قال أن "الاحتجاجات القائمة لا تتجاوز أن تكون ذات صبغة مطلبية بتحسين الأوضاع الاجتماعية وإرجاع عقود عمال كانوا قد طردوا منذ النظام البائد... ولا يمكن اعتبارها نوعا من استقبال الحكومة الجديدة وتعطيلا لحركة الإنتاج، بل هي نتاج لوضع اجتماعي واقتصادي متدهور لمؤسسات اقتصادية تشكو من نقائص عديدة، لذلك تستغل بعض الأطراف النقابية هشاشة الوضع الحالي، لمساندة مطالب العمال المحتجين وتحقيق مكاسب نقابية" وأردف أن "لكل قطاع خصوصياته وأوضاعه الخاصة وان كل حالة سيتم درسها في إطارها". لعل أبرز ما انتظرته الطبقة الشغيلة منذ انطلاق الثورة، هو توضح المعالم السياسية للبلاد، حتى تستأنف مطالبتها "بحقوقها" التي تعتبرها "مشروعة" والتي "قامت من اجلها الثورة"، لذلك ما أن تم انتخاب المجلس الوطني التأسيسي حتى انطلق العمال في شتى المجالات باحتجاجات عديدة، أخذت عدة أشكال، اعتصامات، ووقفات احتجاجية، وإضرابات جوع، تعبر عن موجات غضب أصحابها الذين "لم تتغير وضعياتهم الاجتماعية حتى بعد ثورة الحرية والكرامة الوطنية".