لم تكن هناك أضواء مبهرة، لا.. ولم يتوقّف الزمن الرديء. كما لم تهرول وسائل الإعلام بفضائياتها وأرضيّاتها وتحت أرضيّاتها، بمكتوبها ومكتومها لتغطية الحدث، ولم تتحرّك القوّات لتطويق الوضع. لا شيء من تلك المؤثّرات الركحيّة الهوليوديّة التي عوّدتنا عليها سينما الحلم. كلّ ما في الأمر أنهم اختفوا فجأة وظهروا كذلك فجأة. حدث ذلك في البداية مع البعض مثلي ومثل سليم بوخذير الذي اقتنصته الأطباق الطائرة من أمام منزله لتحمله إلى مكان قصيّ أين أشبعه ركّابها ضربا، مع التوفيق بن بريك الذي راودته زائرة فضاء بقدراتها الخارقة عن عقله فسلبته إيّاه وحرّضته أن يعتدي عليها دون مبرّر وهو الذي تعوّد تلقّي الاعتداءات في صبر، ومع زهير مخلوف الذي وجد فجأة في مجال عدسته شخصا يتحدّث إليه عن التلوّث في نابل دون إذن منه ويظهر في الشاشة بصورة مسيئة لنفسه، ثمّ يشتكي وفي لحظة ثانية مع شاهد الدفاع الذي وجد نفسه مطلوبا لدى العدالة بقدرة فضائية بعد أن جاء ليفتح عيني العدالة العمياء. حدث ذلك مرارا وتكرارا وكنّا في كلّ مرّة نتهم السلطة وأجهزتها – خسئنا – فالسّلطة والداخليّة براء منا ومن ذنوبنا، ألم يعلنها وزير العدل وحقوق الإنسان – وهو بموجب هذا العنوان الوحيد المخوّل أن يعدل وأن يحدّد من الإنسان ومن ليست له حقوق – أنّ بلادنا ليس بها محاكمات سياسية وإنما هي قضايا حقّ عامّ؟ ربّما كانت الصدفة هي التي دفعت الأمن لإيقاف محمّد السوداني إثر حديثه إلى بعض القنوات الأجنبية أثناء الحملة الانتخابيّة، من أجل السكر والتشويش والاعتداء على الأخلاق الحميدة، إذ لا يمكننا أن نتخيّل أن محمد كان سكرانا وعربد في مصدح الضيفتين الصحفيّتين، ربّما كان هذا ما ظننّاه في البداية لكن الداخليّة أعلنت منذ الوهلة الأولى أن محمّد السوداني ليس لديها، فمن الذي اختطف السوداني وألقاه وراء القضبان؟ هل يكذب وزراؤنا؟ هل يكذب إعلامنا الرسمي وفوق الرسمي وتحت الرسمي؟ هذا أمر بعيد عن التصديق طبعا. ثمّ كانت الحادثة الفاصلة التي أزالت الغشاوة عن عينيّ، يوم الاثنين، حين اختفى صباحا كل من عبد الكريم الهاروني وحمزة حمزة ناشطا حرّيّة وإنصاف، ثمّ اختطف عمر المستيري مدير إذاعة كلمة من أمام مكتب عبد الرؤوف العيّادي واعتدي عليه بالعنف، ليظهروا من جديد بعد أن يئسنا من ظهورهم. لا يمكن أن تكون صاحبة الفعلة إلاّ الأطباق الطائرة، زوّار الفضاء الملاعين الذين يودّون إدخال البلبلة بين صفوفنا ويهوون تشكيكنا في ذمم مسؤولينا وفي صدق ألسنتهم الطاهرة العفيفة وفي خطابنا الرسميّ وتوجّهات دولتنا الرشيدة. هل أسوق دليلا على ذلك وهو باد للعيان؟ ليكن. ألم يشهد كل من اختطفته الأطباق الطائرة أن جميع الأجهزة الالكترونية تتوقّف بما فيها الهواتف الجوّالة؟ لقد حاولت طويلا الاتصال بسليم وبعمر وبحمزة وبغيرهم من المختطفين لحظة علمي بالحادثة فلا مجيب. تخرس الهواتف فجأة ولا تجد من يبلّ ريقك بخبر غير رنّة حسناء الاتصالات الرقيقة التي تخبرك أن مخاطبك... قد اختطفته الأطباق الطائرة.