سوف لن أحدثكم هذه المرة عن الكرونا لأنّها آخذة مجراها وطريقها لاستلاب الشعوب الضعيفة والمقهورة، قدرة التمييز، ونفس الشيء بالنسبة للبلدان التي يقودها متهورون من أمثال ترمب وبوريس جونسن. لكني سوف أسمح لنفسي بسرد ما حصل ذات يوم مع المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي. خطر له أن يختبر، ولعلّه كان واثقا من النتيجة، أن يفتح حسابا فيسبوكيا جديدا باسم مستعار، لنقل محمد بن علي... وبعد وضع فيه ما وضع من الصور الممجدة للدين الإسلامي والرسوم وغير ذلك، وضع حديثا لا أساس له ادعى أنّه لعائشة تسبّ فيه عليا وآل علي. ثم ذهب ليستريح، فالحال صيف، والقيض يفعل فعله بفلسطين المغتصبة. وأفاق بعد ساعتين ليجد مئات التعليقات الهادئة حينا والعنيفة أحايينا وأغلبها كان يحمل سبا وشتما من طرفين: طرف بل أطراف شيعية تسبّ وتلعن عائشة وآل عائشة مع وصفها بكلّ النعوت والألقاب التي لا يمكن أن أذكرها هنا... ومن جهة أخرى سنيون يسبون ويلعنون ساخطين على الشيعة والرافضة والفرس وإيران وأتباعهم. هذا يكفّر هذا وآخر يكفّر هذا... عداوة وسبّ وشتم وإهانة وتجريح، في ظرف ساعتين هزّت الحساب والصفحة وصاحب الحساب يضحك من بلاهة هؤلاء والآخرين. وبالمناسبة تصلني، كما تصل غيري، مقاطع مسجلة لعالم من علماء الدنيا أسلم فجأة زمن الكرونا، ورئيس أمريكا يستمع إلى القرآن ويلتذ بالسماع، وغير ذلك وغيره كثير.... زمن الأوبئة ثريّ بحاجة الإنسان إلى الخلوّ بنفسه ومحاسبة نفسه والإقرار بضعفه ووهنه أمام صاحب التاج المزروع فينا هذه الأيام، لكنّه كذلك فرصة لإعمال العقل والقراءة والكتابة، وطرح بعض الملاحظات والأسئلة: أولا: لماذا نجحت الصين وكيف نجحت في إيقاف نزيف الكرونا؟ ولو كانت قامت، من أجل ذلك، باستعمال معابدها لكان أمر استغلال مساجدنا أمرا مستحبا.. ثانيا: ما هي أهمية أن يعلن ترمب إسلامه من عدمه، لو تمّ حقا، في صناعة لقاح مضاد للكوفيد19 خاصة وقد نهب القدس وآلاف المليارات من الخليج وهل تصدقوه لو قال يوما إنّه يحبّ المسلمين؟ ثالثا: هل لنا أن ننقل بصورة مختصرة ومقتضبة ما ذكرته منظمة الصحة العالمية حول تونس... وقد أتيح لي أن أعمل مع هذه المنظمة طيلة عشرين سنة، وهي في سياستها تمدح كلّ الدول والحكومات وحتى الفاشلة.. الفاشلة حقا في سياساتها الصحية التي لم تعزل الوافدين لبلد ما لحجر صحي بأربعة عشر يوم كشرط لدخول البلاد. لا يمكنها البتة أن تنتقد بلدا أو دولة... وإن فعلت فهي تقوم به مباشرة وفي السرّ، وتصدر بيانا معاكسا تماما تشكر فيه جهود الدولة... وما أردت قوله هو التعويل على الذات واحترام الحجر الصحي الفعلي... وحتى عند قيامنا بذلك فقد لا يكفي... لأننا معرضون بصورة وأخرى للعدوى. رابعا: لن يكون لنا من الجهد ما يمكن أن نعالج به مئات المصابين لو حصل... وسلاحنا الوحيد في هذا الأسبوع الخطير جدا هو الابتعاد كليا عن أيّ احتمال عدوى. خامسا: لا تسمحوا لأفيخاي أدرعي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بأن يضحك علينا مرة أخرى بنقل هذه المقاطع المسجلة لتلهيتنا عن كلّ تفكير جديّ وعقلاني،وهي لا تزيدنا إلاّ جهلا.... فنحن قد نميل لمن يمدحنا. ضرورة إعمال العقل كنز لا يفنى... العلم وحده قادر على أن يخرجنا من مصائب الدنيا وهمومها... وأمامنا فرصة لا تعوّض.. إن نحن لم نمسك بها فسلام على الدنيا ومن فيها ولنذهب جميعا إلى الجحيم العلائي وحتى الدنتى..