تكتسب زيارة الرئيس التونسي، قيس سعيّد إلى فرنسا، أهمية كبيرة، وخاصة أنها تأتي في ظل التوتر المتواصل بين باريسوأنقرة حول دعم الأطراف المتصارعة في ليبيا، كما تتزامن مع تهديد الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي ب"تدخل مباشر" في ليبيا، واستقبال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبّون لرئيس حكوم الوفاق الوطني الليبية، فائز السراج. ويرافق سعيد – في زيارته التي تستمر ليومين، وزيري الخارجية والمالية، ويتوقع أن يجري خلال الزيارة مباحثات مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول "التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لأزمة كوفيد 19، فضلا عن الخطط المزمع تنفيذها في مرحلة ما بعد الجائحة. كما سيمثل اللقاء مناسبة للتباحث حول وضع الجالية التونسيةبفرنسا التي تضم حوالي مليون تونسي، الى جانب مسألة تسهيل تنقل التونسيين لا سيما منهم الطلبة والباحثين ورجال الاعمال نحو فرنسا"، وفق بيان الرئاسة التونسية. ورغم أن بيان الرئاسة التونسية "المتحفّظ" ركز فقط على موضوع العلاقات الثنائية والمصالح المشتركة بين تونسوفرنسا، إلا المراقبين يرون أن الزيارة ستركز أساسا على الملف الليبي، وخاصة في ظل التطورات المتسارعة الذي يشهدها هذا البلد، في ظل الخسائر المتواصلة لقوات الجنرال خليفة حفتر، المدعومة من مصر والإمارات، فضلا عن روسياوفرنسا، لحساب قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة من أنقرة، والتي تحظى باعتراف دولي. ودوّن المحلل السياسي والقيادي السابق في حزب الحراك، زهير اسماعيل "زيارة السيّد رئيس الجمهوريّة المزمعة إلى فرنسا (تتامن) مع انطلاق مفاوضات الحلّ السياسي في ليبيا بعد شطب المتمرّد حفتر والتطورات الميدانية باتجاه الشرق الليبي (سرت)، وتهميش الدور الفرنسي. وما استجدّ من رسائل سياسيّة للمعنيين بالملفّ الليبي والمتدخلين فيه، منها نشاط الديبلوماسية الجزائرية المكثّف ( زيارات السرّاج وعڤيلة، والتنسيق المتواصل مع تركيا) والمفاوضات التركية الروسية. وآخر هذه الرسائل تصريحات السيسي وهو يدشّن قاعدة عسكرية بمرسى مطروح على الحدود الليبية المصرية (الساحل الشمالي المصري على المتوسط). ليكون في صورة الحل السياسي ( إسناد عقيلة بتبهبير عسكري، يستدعيه سقوط المشير الخائب)". وأضاف "لو سبقت زيارةَ فرنسا زيارةٌ إلى الجزائر لهان الأمر. ولو كان لنا دبلوماسية بمرجعيتنا الديمقراطيّة، وملفّات حقيقية يتصدرها الملف الليبي لكنّا قبلةً ومزارا هذه الأيام. دبلوماسية رئاسية بائسة بغيابها وبحضورها الهامشي لا أثر فيها لتفويض شعبي تاريخي بثلاثة ملايين صوت". وكان السيسي حذّر من "تدخل مباشر" للقوات المصرية في ليبيا، إذا واصلت قوات حكومة الوفاق الليبية تقدمها نحو سرت التي تسيطر عليها قوات خليفة حفتر المدعوم من القاهرة". وأضاف، في رسالة تهديد لقوات الوفاق "إذا كان البعض يعتقد أنه يستطيع أن يتجاوز خط سرت أو الجفرة، فهذا بالنسبة لنا خط أحمر". تصريحات الرئيس المصري تزامنت مع استقبال الرئيس الجزائر، عبد المجيد تبون لرئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، حيث أكدت الرئاسة الجزائرية أن الزيارة "تدخل في إطار الجهود المكثفة المتواصلة التي تبذلها الجزائر من أجل استئناف الحوار بين الأشقاء الليبيين لإيجاد حلّ سياسي للأزمة يكون قائما على احترام إرادة الشعب الشقيق وضمان وحدته الترابية وسيادته الوطنية، بعيدا عن التدخلات العسكرية الأجنبية". زيارة السراج جاءت بعد أسبوع من استقبال الرئيس الجزائري لرئيس مجلس نواب الليبي في طبرق (شرق)، عقيلة صالح "في إطار الجهود التي تبذلها الجزائر لإيجاد حلّ سياسي للأزمة الليبية". لكن الزيارة تأتي أيضا بعد أشهر من تأكيد تبّون – ستقباله للسراج ووزير الخارجية التركي نوجلوج جاويش اوغلو، أن مدينة طرابلس هي: خطأ أحمر خط أحمر ترجو ألا يتجاوزه أحد". وهو ما اعتبره مراقبون تحذير شديد اللهجة للجنرال خليفة حفتر ومحور أبوظبي- القاهرة الذي يدعمه. ودونّن المحلل السياسي، بولبابة سالم "أستغرب لم يتساءل البعض عن زايرة الرئيس قيس سعيد لفرنسا بعد انتصار تركيا في ليبيا. هل من المعقول أن نتجاهل فرنسا التي يعيش فيها اكثر من نصف مليون تونسي، وندعو قيس سعيد الى مقاطعتها؟ وأضاف في تدوينة أخرى "السراج يزور الجزائر، و زارها قبله عقيلة صالح وسيزورها الغنوشي. قالت الجزائر سابقا لحفتر و داعميه "طرابلس خط احمر "، واليوم قال السيسي "سرت والجفرة خط أحمر" لحكومة الوفاق ويلوّح بالتدخل في ليبيا. الحقيقة ان الخط الاحمر رسمه الروس وقالوه للاتراك لذلك تأجلت زيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسيين الى انقرة منذ ايام. عسكر مصر يتدخل منذ 7 سنوات في ليبيا وباع الاسلحة ووظف قوات وقبض مليارات الدولارات، لكن تلك الأموال لم تدخل الخزينة العامة المصرية (هكذا تفعل الانظمة العسكرية ولا مساءلة ولا هم يحزنون)". وتابع سالم "سُئل نائب وزير الدفاع التركي قبل اسبوع، ماذا ستفعلون لو تدخلت مصر مباشرة؟ فقال: وقتها سنرسل طائرات اف 16 دون تردد. تقول المعارضة المصرية ان مشكلتنا مع اثيوبيا وسد النهضة وليس مع ليبيا او تركيا او اليمن. الليبيون سيتفقون في الجزائر التي لن تسمح باستنساخ الوضع السوري في ليبيا، وصراع روسياوتركيا التي تحظى بغطاء امريكي، هو صراع مصالح والتفاوض جاري حول مصالح كل طرف. ايطاليا تدعم تركيا وفق ما أعلنه اليوم وزير خارجيتها في إسطنبول، اما فرنسا فتشعر بخذلان الولاياتالمتحدة لها". فيما أشار مراقبون إلى أن باريس، التي تدعم حفتر، تحاول الآن الضغط على دول شمال إفريقيا لتغيير موقفها من الحرب الدائرة في ليبيا، وخاصة في ظل التوتر الدبلوماسي الأخير مع أنقرة، عقب "المواجهة" العسكرية الأخيرة بين الطرفين في البحر الموسط. وكان الرئيس التونسي أكد في اتصال سابق مع السراج "تمسك تونس بالشرعية الدولية وبضرورة أن يكون الحل ليبياً خالصا يعبر عن إرادة الشعب الليبي صاحب السيادة وحده لأنه هو الذي له الحق المشروع في تحديد مصيره بنفسه دون تدخل أي كان". كما جدّد الرئيس قيس سعيد، في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أيام، موقف بلاده "المحايد" تجاه الأزمة المستمرة في ليبيا. وتأتي زيارة سعيّد بعد أيام من إسقاط البرلمان التونسي للائحة تطالب فرنسا بالاعتذار عن جرائمها خلال فترة الاستعمار، وهو ما قوبل بارتياح داخل الطبقة السياسية التونسية، على اعتبار أن اللائحة المذكورة تؤثر سلبا على العلاقات والمصالح المشتركة بين البلدين.