ما لا أفهمه إلى اليوم هو سبب غضب وحنق وحتى هستيريا الكثير من السياسيين والإعلاميين …من الشاركة … ثم من التقارب ..ثم من التحالف بين النداء وحركة النهضة… وماذا كنتم تنتظرون من النداء أن يفعل غير ذلك؟؟؟ لقد كانت كل المؤشرات السابقة للانتخابات البرلمانية والرئاسية في تونس تؤكد ذلك… اللقاءات المتكررة بين الشيخين داخل وخارج البلاد … وتلك اللقاءات الكثيرة بين رموز من النظام السابق ومن حزب التجمع المنحل بالعديد من القياديين في النهضة في السر والعلن…قبول النهضة بتحكيم الرباعي والخروج من الحكم بتلك البساطة والتسليم… كل تلك كانت مؤشرات من بين مؤشرات عديدة أخرى على وجود صفقة طبخت على نار هادئة في مكان " خارج تونس" ما من أجل تسليم السلطة إلى النداء والنهضة إثر الانتخابات حفاظا على الحد الأدنى من الاستقرار السياسي والأمني في البلاد بعد وصول الاحتقان داخل البلاد ذروته – خاصة بعد تكرر عمليات الاغتيال السياسي – وبعد كل تلك العواصف من الحروب والدمار الذي زحف على المنطقة العربية في مصر وليبيا وسوريا واليمن …إثر ما أطلق عليه اصطلاحا اسم "الربيع العربي" … ولكن الكثيرين وبسذاجة غريبة صدقوا أن النداء سيكون نقيض النهضة وسيقوم بمواجهتها والقضاء عليها مهما كلف الأمر خاصة أن التهم كانت كثيرة ومعدة سلفا من قبيل رعاية الإرهاب والوقوف وراء الاغتيالات السياسية إلخ…. لذلك هرول الكثيرون لدعم النداء حتى من الأحزاب والجبهات السياسية "المعارضة" اعتقادا منها – أي تلك الأحزاب والجبهات – أنها بذلك تضرب عصفورين بحجر واحد : الأول التخلص من العدو اللدود النهضة وثانيا : إيجاد موطئ قدم في السلطة… وهكذا هرول الجميع للتحالف مع الحزب الجديد البعض من خلال الاندماج في هياكله مثل قسيلة والرميلي والجنيدي وبلحاج والبكوش…والبعض الآخر من خلا الالتحاق بما سمي آن ذاك "جبهة الانقاذ الوطني " ولكن الجميع أفاق من وهمه إثر ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية وهرولة النداء نحو النهضة للحصول على دعمها وقبولها المشاركة في أول حكومة دائمة بعد الثورة… وعندها فقط فهم الجميع أنهم كانوا مجرد مناديل ورقية تم رميها في أول سلة بعد أن تم قضاء الحاجة منها… إنه وللأسف الشديد لا زال الكثير من التونسيين وإلى اليوم وبعد كل تلك الخيبات وبعد كل تلك الدروس الدامغة وخاصة من الطبقة المثقفة يتعاملون مع السياسة بشكل انطباعي وعاطفي بدائي وساذج حتى ممن يدعون أنهم عباقرة وجهابذة ولا يشق لهم غبار في الميدان السياسي.. لقد أكد كثيرون كما أكدنا في العديد من التحاليل السابقة أن النداء "أي قياداته بالتحديد" لا يهمها لا تونس ولا الشعب التونسي ولا الثورة ولا الكوع ولا البوع ..وإنما كل همهم كان الوصول إلى الحكم أو بالأحرى العودة إلى الحكم حتى يتم طي الملفات الفساد والنهب والسرقة وبيع البلاد ودفن الحقائق إلى الأبد … لقد صدق السذج وهرولوا وراء "النداء" الذي لم يكن قادرا على تمرير مخططه إلا من خلال إظهار العداوة للنهضة وشيطنتها مما يجعل الجميع يلتفون حوله معتقدين أن ذلك هو الطريق الوحيد للخلاص من النهضة الحزب الظلامي الإرهابي الإخواني… ولكن ما إن تحقق للجماعة ما خططوا له وعادوا إلى الحكم من الباب الكبير بعد أن كانوا ملاحقين ومتهمين ومهددين بالإقصاء وربما حتى المحاسبة ..حتى بانت حقيقتهم وهرولوا للتحالف مع النهضة التي كانوا بالأمس القريب يظهرون أنفسهم على أنهم ألد أعدائها.. وها نحن نرى اليوم أن هذا التحالف تحول إلى توافق وتطابق… السؤال الذي أود أن أطرحه على هؤلاء الذين نرى كيف يتطاير الحقد والحنق من أعينهم وهم ينتقلون من فضاء إعلامي إلى آخر مظهرين رفضهم وإدانتهم لهذا التحالف الذي كانوا يعتقدون أنه من السبع المستحيلات .. ما ذا كنتم تنتظرون من التجمعيين والانتهازيين والسماسرة و لوبيات المال الفاسد والتهريب التي كانت ترتهن البلاد والتونسيين لأكثر من نصف قرن أن تفعل غير تغليب مصلحتها ولو بالتحالف مع الشيطان ؟؟؟ هل كنتم تعتقدون أن النداء كان سيدخل في مواجهة غير محسوبة النتائج وغير مضمونة العواقب مع النهضة من أجل عيون التونسيين ويتركون كل مغانم الحكم ؟؟؟ وماذا سيفعلون بملفاتهم القذرة وتاريخهم الغارق في الفساد الذي يمكن أن ينكشف للشعب لو أنهم ذهبوا للمواجهة ؟؟؟ إنني أريد أن أسألكل هؤلاء المستغربين : ماذا كنتم تعتقدون ممن تعود على التلاعب بكل شيء من أجل مصلحته أن يفعل إلا كما فعل النداء حيث نكث بكل تعهداته وخذل كل من صوتوا له وراح يبحث عن خلاص رموزه ومموليه على حساب شعب ووطن؟؟؟ لقد رأينا تلك المعارك الشرسة التي سيق إليها التونسيون من أجل تصفية حسابات إيديولوجية وسياسية ومن أجل مصالح فئوية وشخصية ضيقة ولولا ألطاف الله لراحت البلاد إلى حمام من الدم لولا حكمة ورصانة البعض خلال فترة " الحكومة المؤقتة بقيادة النهضة" … هؤلاء كانوا مستعدين للذهاب بعيدا لو تم لمس من مصالحهم تهديد وجودهم… لذلك تم إقرار تلك المعادلة ممن لهم تدخل مباشر فيما يحدث في البلاد… وكل ما نراه اليوم هو تنفيذ لذلك المخطط … ولا يبدو في الأفق القريب أنه يمكن التأثير في هذا الواقع مهما انتفخت أوداج واحتقنت أوردة وشرايين هواة السياسة اللذين جعلوا ظهورهم مصاعد للآخرين… لأنه وبكل بساطة موازين القوى مختلة بشكل كبير لفائدة الطرفين المتحالفين… ولأن الدعم القادم من هناك يبارك هذا التحالف القائم… حتى يمكنهم الحديث عن نجاح لثورة من بين كل تلك التجارب الفاشلة وحتى لا يقال أن الكبار لم يدعوا ثورات الشعوب … وما جائزة نوبل إلا عنوان من العناوين الكبرى لكل ذالك السيناريو الذي يتم تمريره على حساب ثورة وشعب بسبب سذاجة وعمى بصائر من نراهم يكادون يموتون غيضا عبر وسائل الإعلام المختلفة… الواضح للجميع أن القافلة تواصل سيرها الهوينى في تؤدة… بينما يأبى البعض إلى مواصلة النباح .