لن ينصلح حال هذا البلد حتى يتم احترام المواطن وأن يتم تمكينه من حقوقه وتوجيه جميع جهود الدولة لخدمته وأن تكون كرامته وحقوقه فوق كل اعتبار… وهو بالضبط عكس ما يفعله الجميع في بلادنا اليوم… من إدارات ومؤسسات عمومية أو حتى خاصة… فالمواطن عندنا هو مجرد مصدر للمال… إن المواطن عندنا هو آخر ما يتم التفكير فيه من طرف الدولة ومن طرف الأحزاب ومن طرف كل المؤسسات… المواطن عندنا يأتي بعد السلطة وبعد الأحزاب وبعد الشركات و بعد التوازنات وبعد القوانين وبعد القرارات وبعد المؤسسات… والمهم عندنا هو المقدار المالي الذي يمكن سلبه من جيب المواطن… فالمواطن الجيد عندنا هو ذلك الذي لا يشتكي ولا يطالب ولا يحاسب ولا يشك في شيء …يدفع كل المعاليم الموظفة عليه في صمت ويستهلك دون البحث عن النوعية أو تساؤل عن جودة المواد والخدمات المقدمة له… المواطن الجيد عندنا هو ذلك الذي يصدق كل ما يقوله ويصرح به صاحب السلطة وصحافة صاحب السلطة وإعلام صاحب السلطة دون أي نقاش… إن المواطن الجيد عندنا هو ذلك الذي لا يربطه بالسلطة والسيد الحاكم إلا فترة الانتخابات حيث يدلي بصوته لمن كان له القدرة الأكبر على التعبئة والكذب ونشر الوعود الزائفة ثم يلزم بيته على مدى خمس سنوات راضيا بكل ما يفعل به حتى ولو أخل المنتخب بكل ووعوده وفعل النقيض منها تماما وفشل فشلا ذريعا في إدارة الشأن العام … في بلادنا لا يهم أن ينتظر المواطن شهرا أو شهرين من أجل استخراج أبسط وثيقة إدارية أو رخصة… لا يهم أن تقدم له خدمات رديئة في مؤسسات الدولة أو حتى في المؤسسات الخاصة… لا يهم أن تقدم له منتجات منتهية الصلاحية أو معدلة جينيا أو مضرة ومهلكة للصحة مهربة من هنا أو هناك… فلا وجود لرقابة .. ولا لمحاسبة… ولا لردع… ويكفي أن تقوم بجولة بين مختلف الأسواق في أي مدينة من مدننا حتى ترى تلك البضائع المجهولة الهوية والغير معلومة المكونات أو الصلاحية تغرق الأسواق…. حتى ما يتم عرضه في بعض الأحيان من مشاهد فولكلورية لمصالح المراقبة الصحية وهي تكشف عن مخزن مخالف للمواصفات أو مصنع أو مجزرة أو محل مرطبات يروجون منتجات فاسدة غير صالحة للاستهلاك عبر شاشات التلفاز لا تعدو أو تكون ذرا للرماد في العيون وهي لا تشمل "من الجمل كان وذنو" ولا تطال إلى البعض ممن لا ظهر لهم يحميهم ويسندهم أما أصحاب الظهور والسند القوية فإن الأسلحة التي يهربونها تصبح بقدرة قادر مجموعة من ألعاب الأطفال؟؟؟ متى يركب المواطن في تونس في حافلة محترمة في محطة محترمة يتم خلالها احترام توقيت القدوم والوصول؟؟؟ متى يشرب المواطن ماء نظيفا من حنفيته؟؟؟ متى يتمكمن المواطن من الحصول على خدمات توازي المعالم التي يدفعها إلى مختلف المؤسسات العمومية من كهرباء وغاز وصحة وتطهير وبلدية ومعاليم جولان وضرائب مختلفة ومتنوعة؟؟؟ حتى الفواتير أو الكشوفات التي يتلقاها المواطن من المؤسسات أو الإدارات مقابل الأموال التي يدفعها يلزمها مختص في كشف الطلاسم حتى يتمكن من سبر أغوارها وفهم ما تحويه من تعقيدات وعبارات مبهمة من قبيل المجبور السابق والمجبور اللاحق والمتخلد بالذمة والمعاليم الموظفة والمعاليم القارة والمعاليم الغير قارة ….. وحتى لو كانت الخدمات المقدمة على قدر المبالغ التي يدفعها المواطن من لحمه ودمه لكان الأمر يهون لكن إداراتنا ومؤسساتنا تتعامل مع المواطن بعقلية : " كول وإلا كسر قرنك"… فمن أين لك بمركز فحص فني غير مراكز الدولة؟؟؟ ومن أين لك بمزود للماء غير المؤسسة العمومية… ومن أين لك ببلدية غير البلدية العمومية ومن أين لك بقباضة غير القباضة العمومية …. وحتى في حال وجود مؤسسات خاصة مثل المؤسسات الاستشفائية أو التعليمية أو الاتصالية ( الهاتف والانترنات) أو الخاصة بالنقل …. فإنك عندما تقع الفأس في الرأس وتلجأ إليهم هربا من تعاسة ورداءة الخدمات المقدمة في القطاع العام تجد نفسك وكأنك وقعت في يد من لا رحمة ولا شفقة عنه… فكل خطوة هي بمقابل… حتى إلقاء التحية في مصحة خاصة يتحول إلى زيارة وكشف من قبل الطبيب يكلفك "فروة المؤخرة" كما يقول المثل الفرنسي… فمتى أشعر كمواطن أنني أتلقى خدمة تقابل ما أدفعه من معاليم؟؟؟ متى أشعر أنني لا تعرض إلى النصب والاحتيال من طرف الجميع وأنني يجب أن أفهم في كل شيء وأن أكون خبيرا في كل الحيل وفي كل القوانين حتى لا أقع عرضة للنهب والسلب من أبسط بائع إلى أعتى شركة أو مؤسسة في البلاد… إنه في اليوم الذي يصبح فيه المواطن في بلادنا مطمئنا أن حقه محفوظ من الجميع وأنه لا أحد .. أو لنقل أن الغالبية العظمى… ممن يتعامل معهم سواء في القطاع العام أو الخاص إنما يسعون لخدمته ولحماية حقه وتمكينه من أفضل خدمة تتناسب مع ما يدفعه من معاليم وما يستخلص منه من ضرائب… عندها نقول أننا أصبحنا في دولة محترمة دولة منصفة تحترم مواطنيها وتجتهد لخدمتهم .. كما نراه في العديد من الدول المحترمة التي تعجل بسحب كل منتج غير مطابق للمواصفات وتضرب بكل قوة عمن يعتمد أسلوب التحيل في حق المواطنين ولو كلف ذلك ما كلف… والأمثلة في ذلك كثيرة… بل إنه يتم تغريم كل طرف مخل بحقوق المواطن وتدفع الغرامات المجزية لترضيته مقابل ما لحقه من هضم للجانب… أما ما نعيشه اليوم ومنذ ما يسبق دولة الاستقلال فإنه لا يعدو أن يكون علاقة مستغِل ومستغَل… والمواطن عندنا دائما هو المطالب والمقصر والهمجي والمتخلف … والدولة والمؤسسة هي دائما صاحبة الحق … ومهما بلغ عدد الحفر في الطرقات .. ومهما مات من مرضى نتيجة رداءة الخدمات وسوء تجهيز المؤسسات… ومهما أصيب من مواطن بأمراض جراء استهلاكه لبضائع فاسدة.. ومهما ضاعت من حقوق مواطنين بسبب الإخلالات ورداءة الخدمات… ومهما تفشى الفساد في جميع المؤسسات نتيجة بحث الموان عن سبل لتحصيل حقه ولو بالطرق الملتوية ولاستغلال تلك الحاجة ممن مات ضميرهم لتلك الحاجة لنهب مال المواطن المضطر من دون وجه حق … فإنك لن تسمع مسؤولا واحدا في البلاد يعترف بالتقصير ولا ترى يوما أحدا يحاسب على الغش أو الإحتيال أو الإختلاس أو لتزوير أو الغش.. إلا النزر القليل … من أجل التنفيس وذر الرماد في العيون… أما الحيتان والقروش صاحبة الكروش… فإنها ترتع بدون حسيب أو رقيب… فمتى نتحول إلى دولة يحترم فيها المواطن… فيحظى بحقه ويؤدي واجبه وهو مطمئن أنه سيجد خدمات توازي ما يساهم به في تمويل خزينة الدولة وخزينة العديد من مؤسساتها… ومتى ينصلح حال الدولة ومؤسساتها فإن القطاع الخاص عندها لن يكون أمامه سوى أن يواكب وينضبط… أما هذا الانفلات الذي نعيشه اليوم فإنه أكبر دليل على أننا نعيش في ظل سلطة فاشلة…