منذ مدة والسيد " العايدي " يقوم بزيارات بين المستشفيات وبين مختلف المؤسسات الصحية في البلاد التونسية يتفقدها ويقف على ما فيها من نقائص وإخلالات ويتخذ القرارات منها ما هو فوري ومنها ما هو آجل…. ونحن من هذه الناحية نشكر هذا الرجل على ما يقوم به ونشد على يديه … لأنه يبدو أنه الزهرة الوحيدة في مستنقع العمل الحكومي عندنا… لكن ذلك وللأسف لم يجعلنا نشعر بالارتياح الذي أصبحنا ننشده ولا نجده… بل زاد من مخاوفنا أكثر مما بدد من متاعينا وحيرتنا… ليس لأننا ما يعجبنا شيء … ولأننا نعارض فقط من أجل المعارضة… ولأننا مشكاكين ومنحازين..لا أبدا … وإنما لأننا وقعنا سابقا من السلم (طايحين من السلوم) واكتوينا سابقا بنار التظاهر والاستعراض الذي كان يقوم به كل مسؤول جديد يصل حديثا إلى موقع السلطة… رئيسا كان أو وزيرا أو غير ذلك… وما يقوم به من السير حسب تلك التقاليد السينمائية التي ابتكرها المخلوع تحت عنوا "الزيارات الفجائية" حيث نرى كيف يتم إظهار المسؤول وهو يزور مؤسسة ما أو منطقة ما وكيف يتأثر لحال تلك المؤسسة أو المنطقة كأنه قادم من المريخ ولا يعرف حقيقة الواقع أو حقيقة معاناة المواطنين وكيف يظهر غضبه من التسيب ومن سوء الخدمات ثم كيف يقدم جملة من الوعود ثم يتبعها ببعض التعديلات والإقالات والتغييرات وبالسلامة من غادي حتى الانتخابات القادمة… ثم بعد ذلك نرى التمجيد والتهليل والتطبيل من مختلف وسائل الإعلام لذلك المسؤول واعتبرا ما قام به إنجازا منقطع النظير … سيل من الإطراء والتمجيد والتطبيل…: المسؤول المثابر والميداني المهتم بمشاغل المواطنين والحريص على المصلحة العامة والرجل الشعبي الحنون وولد الشعب… وهات من هاكا اللاوي… ولكن بعد ذلك وبعد ما يستتب الأمر لذلك الوزير أو المسؤول أو الرئيس … يهز ربي متاعو… وتعود ريمة لعادتها القديمة… وتعود الفوضى والانفلات والمحاباة والتدخلات وحوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت… أتمنى من كل قلبي أن يكون السيد وزير الصحة "سي سعيد العايدي" جادا فيما يقوم به… وأن يكون الاستثناء في هذه الحكومة المهزلة… وأن يكون حقا جادا في خدمة المواطنين وتطوير القطاع الصحي في بلادنا ..خاصة القطاع العمومي منه الذي يعاني من النهب والهدر وسوء الإدارة وضعف الإمكانيات ونقص الإطار وتدهور الأوضاع الاجتماعية للعاملين وللإطار الطبي والشبه طبي فيه ونقص المعدات …. إن هذا القطاع بحاجة إلى وقفة حازمة وإلى عمل كبير في العمق ..فالزيارات الميدانية طيبة ولكن الإكثار منها يصبح غير ذي جدوى ويدخل الشك في المتابعين من حقيقتها … إن الأوضاع عندنا في المؤسسات الصحية العمومية لا تخفى على أحد… فيكفي أن تزور 3 أو 4 مؤسسات في مختلف مناطق الجمهورية حتى تتطلع على الوضع العام الذي يعاني منه هذا القطاع… عندها يأتي دور التشخيص… ثم ضبط سياسات الإصلاح والتطوير القريبة المدى ثم المتوسطة ثم بعيدة المدى ..ثم يتم الشروع في التنفيذ وهي المرحلة الأهم والأدق والتي تتطلب المراقبة والمتابعة والحزم … فهل سيسير سي العايدي على هذا الدرب وهل سيجد التمويل والدعم السياسي من الحكومة ومن رئيسها؟؟؟ أم أنه سيخاطب بنفس اللغة : بح ما ثماش؟؟؟ حتى التفتوفة إلي ثمة ماش نزيدوها للنواب متاعنا؟؟؟ كذلك ومن ناحية أخرى يحق لنا أن نتساءل: هل يمكن لنا أن نطمئن إلى أن ذلك يمكن أن يحدث (الإصلاح الجدي) ونحن نرى حكومة همها الوحيد إخلاء ذمة اللصوص والتغطية على سرقاتهم وجرائمهم وتشديد القبضة الأمنية على كل من يعارض النظام وضرب الحريات ومحاربة كل أشكال التدين والترويج للانحطاط الذوقي وللانفلات الأخلاقي ودعم الأغنياء على حساب الفقراء وعدم الجدية في محاربة الفساد والتهريب والجريمة… إن كل تلك المؤشرات السلبية تجعلنا نشك في أن ما يقوم به السيد "العايدي" يشذ عن القاعدة وأنه مجرد لعب على الصور… إن نجاح أي عملية إصلاح أو تأهيل أو تغيير في بلادنا في أي مجال من المجالات من المستحيل أن يتم بجهد فردي مهما كانت نية صاحبه صادقة… بل إن اليأس والإحباط سيصيب ذلك المجتهد وسيجبره على الانقياد للأمر الواقع في نهاية المطاف… إن تونس بحاجة إلى ثورة حقيقية تشمل كل شيء عندنا … وأول من يجب أن تشملهم تلك الثورة هم كوادر الدولة وإطاراتها وأعوانها وأصحاب الأعمال والجاه والسلطان في البلاد … إن هؤلاء إن بادروا بإصلاح أنفسهم فإن حال البلاد سينصلح وسيسير الجميع على دربهم… أما أن يكون حاميها حراميها وغنيها هو أفجرها فإن حال البلاد لن ينصلح أمره مهما قمنا بزيارات ومهما صرخنا وأبدينا استياءنا وغضبنا وهما هددنا وتوعدنا…. فالأب مهما فعل لن يقنع ابنه بأن التدخين مضر بالصحة طالما كان هو يدخن… هكذا هي نواميس الحياة…. إن كان صاحب المؤسسة أي مؤسسة لصا يسمح لنفسه بأن ينهب أموال البنوك والمتعاملين معه ويغش في الصفقات ويقدم الرشوة من أجل الحصول على المناقصات ويقدم الرشوة من أجل التغطية عن الإخلال التي يقوم بها عند الإنجاز ويقدم الرشوة مرة أخرى للتهرب من الضرائب … فكيف نطلب من العامل البسيط المفقر المعدم المستغل من أن بتعفف عن السرقة والتلاعب هو أيضا وهو يرى أن حاميها هو أكبر حرامييها؟؟؟؟ نحن مللنا الكذب والتزوير والتزييف وبيع الأوهام والوعود الواهية… نحن نريد حقائق ملموسة.. نحن نريد تغييرا يلمسه المواطن ويحس به على مستوى كل الخدمات الإدارية والتعليمية والصحية والأمنية والاقتصادية والثقافية والنقل والبنية التحتية….. لم يعد يهمنا ما نسمعه أو نراه من تحركاتكم طالما لم ينعكس ذلك على مستوى تخفيف معاناة التونسي الذي اكتوى بنار الظلم والاستبداد والنهب والفساد طيلة العقود السابقة من تاريخ تونس الحديث. اعملوا بصدق فلن تجدوا منا إلا الدعم والمساندة والمشاركة والاستعداد للتضحية… أما غير ذلك فإننا سنكون لكم دائما بالمرصاد…