لقد تردّى التّعليق الرّياضي (مثل الرّياضة و مثل كثير من الأشياء في بلدي) إلى مستوى غير مسبوق لا ينبغي السّكوت عنه. و تونس أنجبت خيرة الإعلاميّين الرّياضيّين على غرار توفيق العبيدي و رضا العودي و محمّد بو غنيم و رازي القنزوعي و حسني الزّغدودي و عصام الشّوّالي و القائمة طويلة… وهي تصدّر كفاءاتها للقنوات الأجنبيّة. لو نأخذ مثلا مباراة نهائي كأس تونس بين التّرجّي و الإفريقي. لقد علّق عليها عبد الرّحمن العشّ و هيكل الصّغيّرو لديّ كثير من التّحفّظات عليهما. إنّ التّعليق فنّ و ليس تهريجا أو تأتأة.إنّ من أهمّ الصّفات الواجب توفّرها في المعلّق الصّوت الجميل المريح الّذي لا يزعج طبلة الأذن و طريقة الإلقاء المنغّمة و الّتي ندرّسها في نصوص القراءة و المحفوظات في كلّ اللّغات منذ التّعليم الابتدائي. إنّ عبد الرّحمن العشّ صوته مزعج و طريقة إلقائه كذلك و لديه تأتأة لا تطاق و حتّى مضمون كلامه رديء فهو مثلا يقول "معناها" مثل لاعبي الكرة وهذه أهمّ عيوبه. أمّا هيكل الصّغيّر فصوته أيضا لا يطاق و هو ينفخ في المصدح كثيرا و هو مزعج أمّا مضمون كلامه فهو مقبول. و يبدو لي أنّه يسعى جاهدا للتّشبّه بعصام الشّوّالي و لكنّه لم يفلح. و أضطرّ أن أشاهد المباراة دون صوت حتّى لا أتألّم من التّعليق. و عندما أعيد الصّوت للحظات متّهما نفسي بالمبالغة أندم على ذلك و أعود للحالة الأولى (دون صوت). و ربّما أعيد الصّوت عند رؤية مشاهد شغب أو عند رؤية خطإ تحكيميّ واضح لا غبار عليه و لكنّني أجدهما خارج الموضوع (و ليسا الوحيدين في هذا العيب ). إنّني أتحدّث عنهما بصفة عامّة و ليس في هذه المباراة فقط. و أنا أكتب هذا النّقد بعد أن استمعت إليهما عديد المرّات و أسعى إلى الإصلاح فقط و لا أكره شخصيهما و لكن أكره تعليقيهما و خاصّة عبد الرّحمن العشّ. وليس هناك معلّق كامل و الكمال لله و كلّ لديه معلّقه المفضّل و لكن هناك حدّ أدنى من شروط الحرفيّة حتّى نقول إنّ هذا معلّق ثمّ يأتي بعد ذلك التّميّز و التّفضيل. و بعد فإنّ النّاس فقدت الشّعور و التّذوّق (و هذا رأيي و رأي كثير من الأشخاص) و لم تعد تفرّق بين الغثّ و السّمين و لا تهتمّ بأشياء هامّة مثل الفرجة أو التّعليق أو أداء اللّاعبين و الحكم. المهمّ هو فوز فريقها ! و أريد أن أشير أيضا إلى أنّ للتّلفزة قليلا من المعلّقين فليس هناك خيار واسع فهي توكل مهمّة التّعليق على المباريات إمّا لعبد الرّحمن العشّ أو هيكل الصّغيّر أو شكيب الخويلدي أو اسكندر الحجّام أو رمزي القلعي أو حافظ بن عامر. و الغريب أيضا أنّ التّلفزيون التّونسي بقناتيه رفض و لفظ التّعليق العربي الموحّد لاتّحاد إذاعات الدّول العربيّة في الألعاب الأولمبيّة الماضية (إلّا نادرا) و في غيرها من المناسبات (اتّفق العرب ألّا يتّفقوا) رغم أنّ أغلب المعلّقين تونسيّون من أبناء الدّار و هم مبعوثون على عين المكان و التّلفزة تشكو ندرة في المعلّقين و تريد التّرشيد في نفقاتها ! و لا يخفى على أحد أنّنا نهمل كفاءاتنا و لهذا ترحل عنّا خارج حدود الوطن أو تبقى مجمّدة و هذه خسارة كبرى للمشاهد. ببساطة نحن نعيش زمن الرّداءة و عدم الكفاءة.