و يتواصل الخسران المبين لأوقات أبنائنا و ما ينتج عن ذلك من فوضى و نقص في التكوين و الإنصراف عن العلم و المعرفة . إن مقاطعة الدروس و مغادرة قاعة الدرس شيء إدٌّ لا يمكن إلا أن يبعث الحسرة في قلوبنا . فالآخرون يتقدمون و يصعدون و يرتقون في سلم المعرفة و نحن نزداد تقهقرا و نزولا إلى الأسفل و بذلك يجد الإستعمار الفرص لمزيد التوغل و إحكام قبضته علينا . إنه في رأينا و هذا يكاد أن يكون عندنا إعتقادا جازما أن المسؤول في بلادنا و في كل مواقع المسؤولية لا يسمع ، لا ينصت ، لا يرى ، لا ينتبه لما يقوله منظوروه ، للذين يتعامل معهم ، لا يولي إهتماما لما يجري حوله . إن المسؤول في بلادنا يوم يتسلم المسؤولية يختلي بنفسه لبعض الوقت و يقنع نفسه قبل أن يدخل مكتبه أول مرة و يخرج على الناس أنه لابد أن يضع نفسه في منزلة التعالي على الآخرين . . . بدءا من المجيء إلى مكتبه متأخرا حتى يكون بحق مسؤولا في حجم مكانه و حين يتغيب لا يسأله عن ذلك أحد ، و حين يخرج من مكتبه ليس من حق أحد أن يعرف متى يعود و هل سيعود في يومها أو في أي تاريخ آخر ، عليه أن يلقن كاتبته تلقينا جيدا كيف و بماذا سترد عن السائلين عنه : "إنه في إجتماع ، إنه في جلسة ، لا أدري متى يعود ، قبل مجيئك كان موجودا ، قلك أرجع غدوة ، أرجع الأسبوع الجاي " المسؤول في بلادنا و حتى يكون مسؤولا بحق يقنع نفسه أن الحوار و النقاش في ما رآه يعتبره حطا من قيمته أما التراجع في ما رأى و إستنتج فذلك من الخطوط الحمر بالنسبة إليه و ربما يعتبره ضربا من الإنتحار المعنوي في حق نفسه و كبريائه . . . المسؤول في بلادنا مريض في كل المواقع و هل يستقيم الظل و العود أعوج ؟ فلننتظر لبلادنا ما هو أسوأ مادام المسؤول الذي جاءنا سواء من اليسار أو اليمين أو المستقل يعاني المرض و العلل و هي من الوزن الثقيل مزمنة و وراثية . مصدق الشريف