هو منشّط الشّعب.. هو الإبداع و الإمتاع و الإتقان.. هو أحسن المنشّطين التونسيين حسب الكثير من النّقّاد.. هو الذي أسعدنا و أفرحنا في كل إطلالاته.. هو اسم على مسمّى.. لقد كان نجيبا و خطّابا.. له كاريزم فريد.. يشدّنا و يجذبنا بمجرّد رؤيته حتى قبل أن يتكلّم.. أمّا إن تحدّث فهو المخاطب الأنيق المتميّز.. له صوت رخيم و إلقاء جميل يشدّ السامعين.. لو عدّدنا مزاياه لملأنا صفحات و صفحات.. هو صحافي و معلّق رياضي خاصة في بداياته إذ قام بتغطية رحلة المنتخب التونسي إلى الأرجنتين في كأس العالم 1978 و مازالت تعليقاته و صيحات فرحه بأهداف المنتخب في الذاكرة.. كان معلّقا و ناقلا وواصفا فريدا من نوعه.. رغم وجود أسماء كبيرة في التعليق تنافسه آنذاك إلّا أنه حاز ثقة المسؤولين و الجماهير و كان في مستواها.. ثم انطلقت رحلته مع البرامج الترفيهية و المنوعات إعدادا و تقديما و منها "من غير مواعيد" و "خمسة على خمسة" و "لو سمحتم" و آخرها "سهرية على الفضائية".. كان يحرص على كل كبيرة و صغيرة و لكنه يقول : " مهما كانت التحضيرات كبيرة لا بد أن تأتي تلك اللحظات التلقائية في البرنامج. ".. و هذا يحيلنا على سؤال : " ما سرّ نجاح نجيب الخطاب ؟ ".. نجيب الخطّاب هو منا و إلينا.. يتكلم لغتنا بالدارجة و بفصحى غير معقدة.. يتحدث معنا كما لو أنه يتحدث إلى أمّه أو أبيه أو أخيه أو صديقه.. ببساطة و بتلقائية و بصدق في المشاعر.. و هذا درس لمن يظنّ أن تعقيد المفردات و اعتماد بديع الألفاظ أو السّجع او اللّباقة الزائدة عن الحدّ هو سرّ الامتياز.. يضاف إلى هذا إخلاص و تفان في العمل.. تقول بعض الأخبار إنه كان يشتغل 18 ساعة في اليوم ! و هو الذي كان يطلّ علينا مرة في الأسبوع أو مرة كل نصف شهر.. و هذا درس آخر لمن يستسهل الظهور اليومي في التلفاز بمحتويات فارغة و هجينة.. هذا العمل الكثير كان رغم قدرة نجيب على الخطابة و قد شاهدناه في وقت من الأوقات ينشّط 7 ساعات متواصلة مساء الأحد ! نجيب الخطاب نجح تونسيا و عربيا و ضيّف في مختلف منوعاته فنانين كبارا مثل لطفي بو شناق و عدنان الشواشي و الحطّاب الذّيب و دريد لحّام و ماجدة الرّومي و ميّادة الحنّاوي و القائمة طويلة… كما ساهم في شهرة فنانين و كوميديين و مقدّمين مغمورين آنذاك.. و لم تكن مهمّته سهلة مع وجود إعلاميين لامعين في زمنه كالمرحوم صالح جغام و حاتم بن عمارة و رضا العودي و المرحوم محمّد بو غنيم.. و الطّريف أن المشاهدين كانوا يهتمّون بنجيب الخطاب المنشّط أكثر من الضيف مهما كان حجمه.. كان المقدّم هو النجم لا الضيف.. كانت كل العائلات تتحلق و تتسمر أمام التلفاز و تقول : " سنشاهد حصة نجيب الخطّاب. " توفّي نجيب الخطّاب في 25 أفريل 1998 عن سنّ تناهز 45 سنة و هو في أوج العطاء إثر أزمة قلبيّة سببها الإجهاد في عمله.. و لكنّه كسب حب الناس.. هو حيّ بيننا بما تركه من أثر طيّب في قلوبنا.. إنها شيم العظماء و الخالدين الذين لا تقاس حياتهم بعدد السنين التي عاشوها بل بما قدّموه من جليل عطاء.. و هذه عبرة أخرى ملخصها " اعمل و اجتهد و اصنع تاريخك و لن يضيع مجهودك ! " هذه الذكرى مناسبة لنتساءل : كيف حال التلفزة بعد نجيب الخطاب ؟ كيف حالها اليوم ؟ في الحقيقة حالها لا يسرّ الناظرين فلا أفكار خلّاقة إنما استنساخ للرّداءة و برامج طويلة في وقتها ثقيلة سمجة في محتوياتها حتى إن أرادت إضحاكنا.. و حوارات مليئة بالعنف و الشجار و الاستفزازات و الكذب و التهم و الشتم.. لا تسلية و لا فائدة تجنى إلا القليل.. و كذلك التعليق الرياضي فهو بلا روح و مملّ و منفّرإجمالا رغم أن تونس مدرسة كبيرة في الإعلام الرياضي.. كل هذا رغم تطور التقنيات و كثرة القنوات و مناخ الحرّيّات و لكننا أسأنا استغلال كل هذا.. إنه الفقر الفكري..أين أنت يا تلفزيون الأمس الجميل ؟.. رحمك الله يا نجيب الخطّاب و أسعدك كم أسعدتنا