لا أحد ينكر تعهد يوسف الشاهد يوم تمت تزكيته رئيسا للحكومة من طرف البرلمان بمحاربة الفساد. لكن علينا أن لا ننسى أن هته الحملة تأخرت كثيرا وكدنا نفقد الأمل نهائيا في تحقيقها بل أن الفساد تضاعف أكثر فأكثر أثناء مدة رئاسته للحكومة رغم كونه لو يكن مساهما ولا شريكا فيه. فالكل يعلم أن وجوده على رأس حكومته رهين توافق الأحزاب الحاكمة حول تعيينه وحول عزله وهو في الأخير لا حول له ولا قوة غير إرضاء من بيده الحل و الربط هذا علاوة على كون شبكة الفساد هي المتحكمة الرئيسية و الماسكة للقرار داخل الأحزاب الحاكمة وخصوصا الحزب الأول حركة نداء تونس. إذا فالحديث عن مقاومة فساد يتحكم في قرار الأحزاب التي بدورها تشكل الحكومات و تعزلها هو أمر يكاد يكون ضرب من الخيال الذي يستحيل تحقيقه. لكن رغم كل هذا فقد تحققت المعجزة واستطاع الشاهد أن يتحدى ولي نعمته و الحاكم بأمره ووجه له ضربة قاسية وأودع كبار ممولي هته الأحزاب السجن بتهم تصل عقوبتها الإعدام رميا بالرصاص بل واستطاع أن يحيك صيغ قانونية يتجنب بها الجهاز القضائي العدلي المعروف بتمرده على الحكومة و إختراق المافيا لبعض أجهزته وأن يصبح القضاء العسكري الأكثر إنضباطا هو المتعهد بالقضية. كل هذا جميل جدا لكن علينا أن لا ننسى كون الشاهد لم يكن ليجازف بكل هذا ولم يكن ليتحدى كل الأحزاب الحاكمة لو لم يكن مسنودا بمن هو أقوى منها. ربما كانت هناك معادلات إقليمية و دولية علاوة على ما حصل في تطاوين وما كان من الممكن أن يحصل فيها قد جعل من مقاومة الفساد ضرورة قسوى لا مجرد خيار حكومي، فعلينا أن لا ننسى أن الأحداث الدامية في تطاوين توقفت فجأة وإنقلب مسارها رأسا على عقب يوم إيقاف المتهمين، وعلينا أيضا أن لا ننسى أن من تم إيقافهم يوالون الطرف الخاسر في الحرب الليبية و أن الديبلوماسية السليمة لكل دولة يجب ان تتبع الطرف الرابح وهو خليفة حفتر، كما علينا أن لا ننسى أن إيقاف المتهمين تزامن مع تواجد الباجي قائد السبسي بالقمة السعودية مع الرئيس الأمريكي ترامب، وعلينا أخيرا أن نتذكر ما كتب بصحيفة الواشنطن بوست حول الإستراتيجية الأمريكية في تونس وكيفية تخليصها من ازمتها الإقتصادية التي تسبب فيها إنتشار الفساد. الأكيد أن تزامن كل هته المعطيات مع حملة الإيقافات ليس من قبيل " رب صدفة خير من ألف ميعاد "