الشمس المشرقة التي تغيب من حين لآخر لتترك المجال لنزول الغيث النافع الذي سقى الأرض و بلل الأشجار و هلّل أسارير العباد لم يمنع المحبين و الشغوفين بالفنون التشكيلية من المجيء عشية الخميس 5 أكتوبر 2017 لرواق الفنون ببن عروس التابع للمندوبية الجهوية للثقافة بالجهة الذي يديره الفنان القدير عيسى قويرح لحضور افتتاح المعرض الخاص بالفنان التشكيلي محمد بن الهادي الشريف و الذي يضم أربعين لوحة اختارها من بين أربع مائة لوحة هي حصيلة إبداعه المتواصل منذ سنوات عديدة و التي جاءت متعدّدة الأحجام و الألوان. هذا المعرض الذي ابتدئ يوم الخميس 5 أكتوبر 2017 ليتواصل إلى غاية يوم الخميس 19 أكتوبر 2017 جاءه عديد الأساتذة المختصين في هذا الفن و عديد المولعين به شبابا و شابات و كهولا و مسنين يتقدّمهم السيد والي بن عروس الذي استقبله صاحب المعرض بكلمة "يهنيك الروى" ليتواصل حديث حميمي بينهما لم يخل من الدعابة و روح التطلع إلى ملامسة عالم الإبداع و الخلق خاصة لما يتحفه الفنان محمد بن الهادي الشريف بين الفينة و الأخرى بأبيات من شعره الذي خاض في كل الأغراض من الغزل إلى الوطني إلى الاجتماعي و حتى السياسي. و على هامش المعرض التقينا ببعض الحضور و من بينهم: السيد والي بن عروس عبد اللطيف الميساوي: " سعدنا اليوم بحضور افتتاح معرض الفنان التشكيلي محمد بن الهادي الشريف الذي ينطلق به الموسم الثقافي للمندوبية الجهوية للثقافة ببن عروس. و ما يمكن قوله أن لوحات الفنان سي محمد الشريف قد تميزت بالجمالية و المعاني السامية حيث أنه رسام ذو ريشة حساسة و ذوق رفيع. و الطريف أن هذا الفنان المبدع و هو في سن متقدمة آت من الهندسة الكهربائية قد جمع مع نحت اللوحات في مواضيع شتى لم يفلت منها لا الاجتماعي و لا السياسي و لا العاطفي ينشد الشعر في كل الأغراض و قد ذكرني في الأوائل الذين كانوا موسوعيين تراهم يبدعون في كل المجالات. و من ناحية أخرى فإن سي الشريف قد لقي مرضه نجاحا منذ لحظاته الأولى بدليل أن الذين يحضرون بيننا من جميع فئات العمر و منهم من جاء من ولايات أخرى، كما أن حضور سعادة سفير فينزويلا بتونس و الشاعر الكبير أسامة الفياض قد أضفيا على المعرض انفتاحا شرقا و غربا خاصة و أن هذين البلدين هما رمز حركة التحرر الوطني و الانعتاق الاجتماعي." السيد المندوب الجهوي للشؤون الثقافية ببن عروس عز الدين العبيدي: " ليست هي المرة الأولى التي أحضر فيها للفنان محمد بن الهادي الشريف فقد اطلعت على أعماله الفنية في معارض جماعية. أكبر فيه هذا المجهود المتواصل في عالم الفن التشكيلي رغم أنه عصامي التكوين في هذا المجال كما أني بهرت بلوحاته التي لم يكن محتواها اعتباطيا بل وراءها أفكار تروي كل واحدة منها قصة من قصص الحياة و لا بد أن نشجع سي محمد الشريف الفنان التشكيلي و لا بد أن ندعمه من خلال لجنة الشراءات الوطينة " السيدة معتمدة بن عروس: " رغم كل شواغلي و ضيق الوقت أبيت إلا أن أحضر حفل افتتاح معرض الفنان محمد بن الهادي الشريف هذا الفنان الذي لم يعر تقدمه في السن اهتماما بل خرج علينا بأعماله و لأول مرة منذ سنتين تقريبا و قد تجاوز السبعين من عمره و هذا لعمري أكبر هدية لشبابنا حتى يقبلوا على الإبداع و الانغماس في العمل الثقافي و يملؤوا حياتهم بما يصقل فكرهم و بذلك ننآى بهم عن الذين يريدون غرس ثقافة الموت و حياة الكهوف في تونس العزيزة بلد أبي القاسم الشابي." في نهاية جولتنا في هذا المعرض الخاص للفنان محمد بن الهادي الشريف ارتأينا أن نسأل زوجته السيدة سعاد الشعري الشريف أستاذة الفرنسية المتقاعدة عن مدى شعورها و انطباعها عما يملأ حياة زوجها في هذا السن فأجابت مشكورة: " إنني لا أخفي فرحتي أوّلا حينما أرى زوجي تضاف له صفة الفنان و المبدع و ثانيا أني سعيدة لأنه أحسن استغلال أوقات فراغه بعد إحالته على شرف المهنة فهو لم ينزو و لم ينطو على نفسه كما يفعل بعض المتقاعدين و ما يجب التأكيد عليه هو أن زوجي رغم أنه يقضي الساعات تلو الساعات في عالم إبداعه و مخاضه قبل ولادة اللوحة فهو لم ينس أو يتخل يوما عن عائلته و ظل ملتحما بها سواء في علاقته بي شخصيا أم بأبنائه أم حتى أحفاده. أرجو له مزيد التألق و الإبداع فإني أصبحت دائما أنتظر الجديد." أما ابنه عماد الشريف رجل الأعمال فقد خصّنا بما يلي: " حين أحيل والدي على شرف المهنة سرعان ما تراجعت حالته الصحية و دخل المصحة عديد المرات و لكن و الحمد لله عندما ولج عالم الإبداع ازداد حيوية و نشاطا و أصبحت صحته صحة شاب في مقتبل العمر. كما أني أغبط والدي حينما أعطى للحياة معنى و هدفا فهو يناجي نور الفن و عالم الخلق الذي لا يخلو من القيم السامية التي عبر عنها في لوحاته مؤكدا على أنها الوحيدة التي تمكث في الأرض ما حيت الإنسانية. أرجو له طول العمر." أعتقد أن خير ما نختم به تغطيتنا لهذا المعرض الخاص بالفنان التشكيلي محمد بن الهادي الشريف ما ختم به عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين صفحات كتابه من لغو الصيف إلى جد الشتاء " أما أنا فقد أكون مسرفا في المحافظة و لكن أشهد أني مازلت مؤمنا بأن الثقافة هي القوة العليا في الأرض، و بأن سلطان الثقافة وسلطان الفن لا يزالان، و سيظلان، فوق كلّ سلطان."