اكتمل يوم الجمعة 3 نوفمبر 2017 المسار الانتخابي بجميع الكليات والجامعات التونسية الذي استمر عدّ ة أسابيع وتطلّب تضافر جهود عديد الأطراف الإدارية والتربوية. هذا المسار يحمل استنتاجات على المستويين التعليمي والسياسي : 1- فعلى مستوى التعليمي، يمارس الأعضاء المنتخبون (داخل المجالس العلمية بالكليات والمدارس العليا والجامعات)، العديد من الصلاحيات التي أقرتها القوانين والتراتيب الجاري بها العمل في مجال التكوين والبيداغوجية والبحث العلمي والتأطير…وذلك للإرتقاء بالمؤسسة التعليمية وربطها بسوق الشغل على مستوى وطني وإيجاد شراكات مع الجامعات الأجنبية وفتح آفاق للطلبة … فالانتخابات في هذا الإطار هي تجديد للدماء من خلال الأعضاء الجدد للدفع في هذه المسارات بإرادة وتطلعات وروح متجددة. 2- أما على مستوى سياسي فإن هذه المحطة الانتخابية (الثالثة بعد الثورة)، مهمة بما أن الإطار التربوي بالمؤسسات الجامعية مارس حقه المشروع في الترشح والانتخاب. ووقع تطبيق المعايير الدولية في هذا المجال باللجوء إلى الاقتراع العام، الحر، المباشر والسري… وتمت العملية الانتخابية بسلاسة، رغم تسجيل بعض الإشكاليات والتجاوزات الطفيفة… هذه المعطيات أعتبرها مكسبا لأنها تقيم الدليل على وجود انتقال ديمقراطي حقيقي على المستوى الجامعي يدحض مزاعم المشككين الذين مازالوا يراهنون على عودة الماضي ورموزه، مستندين تارة إلى اعتبارات أمنية وتارة أخرى إلى غلاء المعيشة… وكأننا كنا في جنات عدن دون أن ندري. كما سجلت هذه الانتخابات إقبال أغلبية الزملاء على صناديق الاقتراع وتحمّل مشاق التنقل (السفر) للبعض وهذا مؤشر إيجابي، يترجم الاهتمام بسير المؤسسة الجامعية. هذه الإنتخابات بينت عدم رضوخ أسرة التعليم العالي للتعليمات، بحيث أن الأحزاب السياسية، رغم مناوراتها، لم تستطع تسييس المؤسسة الجامعية وربما إخضاعها لبعض الشروط والإبتزازات التي ربما كانت ستعطّل المسار الانتخابي …، مثلما هو الشأن لبعض الهيئات على غرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، مرورا بمهازل مجلس نواب الشعب الذي أصبح مصدر ازدراء…رغم أن هذه الهياكل ترفع شعارات الاستقلالية والحياد والنزاهة … وبالرجوع إلى بعض المجالس العلمية (التي اطّلعتُ عليها في صفاقس)، نلاحظ أن تركيبتها متنوعة، فمعظم ممثلي الأساتذة اُنتخبوا استنادا إلى سيرتهم الذاتية دون إنكار وجود العامل السياسي وهذه ليست بدعة أو استثناء بما أننا في وسط جامعي محمول عليه التّفتح على محيطه السياسي والتفاعل معه. أعتقد أن هذا التنوع الذي طغى على المجالس المنتخبة هو في حد ذاته مكسبا لأنه يرسي تقاليد وأعراف في العمل الاجتماعي والسياسي وهو قبول الآخر والتحاور وهذا من شأنه استبعاد، تدريجيا، كل ما هو إيديولوجي الذي تبيّن من خلال الفترة الانتقالية أن ضرره أكبر من نفعه… يتوجّب أيضا أن نذكر في هذا المقام بأن هذه الانتخابات أقرّت مبادئ جديدة، حيث أن المنتخبين من رؤساء أقسام وعمداء ومديرين…، قدّموا تقريرا حول برنامجهم الإنتخابي. هذا القرير هو بمثابة ميثاق يترتب عليه المسؤولية والمحاسبة. فعلى مستوى قانوني، وفي حالة انحراف بهذا البرنامج، يمكن اللجوء إلى سحب الثقة (باعتماد أغلبية حددها القانون). وهذه نقطة مهمّة من شأنها تحفيز المسئولين على الاجتهاد واحترام الالتزامات التي تعهدوا بها. وهذا لا يتم إلا من خلال الرقابة والمتابعة من طرف الناخبين (الأساتذة). دون إطالة، جل هذه المعطيات تخوّل لنا القول بأنّ هناك ربيع عربي في تونس (ولا عيب في بعض المبالغة والمجاملة)، رُسم بالدماء، دماء شهداء الثورة وشهداء العاطلين عن العمل خريجي الجامعات التونسية الذين يُقضّون أوقاتهم في المقاهي أو يلقون حتفهم في البحر في رحلة البحث على أوهام السعادة والكرامة في شمال المتوسط. لكن لسان حالهم يقول يجب على الجامعة التونسية التي تسهر على تكويننا أن تساهم كذلك ( بما هو متاح وممكن)، في إيجاد آليات جديدة …وتطوير عقليات جديدة …والاجتهاد لإدماجنا في الحياة وهذا حقنا باسم القانون والأخلاق والتضامن والثورة التي صنعناها نحن بدوافع الفقر والخصاصة والحرمان والتي مكنتكم اليوم الانتشاء بالانتخابات التي لم تكن لها طعم في الماضي القريب. فهذا ندائنا، نريد حلول لنفرح معكم ومثلكم نحن أبناء الوطن، أبناء تونس، أبنائكم…