يحتل الكذب السياسي موقعا نوعيا في الممارسة السياسية إذ يتخذ أشكالا تداولية عديدة تتراوح بين التجلي عبر اللغة والتخفي في ثنايا الصيغ التواصلية ، فتارة تبرز الأكاذيب السياسية دفعة واحدة قصد التهرب من تحمل المسؤولية السياسية اتجاه قضية شائكة أو نتيجة تسرع الفاعل السياسي وتراجعه في الآن نفسه ، وأحيانا تظهر بشكل زمني تدريجي عبر الانفعالات السياسية اللفظية إذ تأتي في مراحل متأخرة بعد عدم تمكن الفاعل السياسي من الحفاظ على انسجام لغته السياسية وتماسك موقفه وخطابه. ويتمثل العنصر الحاسم لإظهار الأكاذيب السياسية أو إضمارها في مدى تمكن السياسي أثناء استعمال اللغة المخادعة من امتلاك تقنيات تعبيرية مراوغة نصفها تجاوزا بمهارات الكذب. فكلما كانت مهارات الفاعل السياسي قوية ، كانت الأكاذيب السياسية خفية وغير معلنة على مستوى الموقف والخطاب ؛ وكلما كانت المهارات ضعيفة ، تطفو الأكاذيب السياسية على السطح ولا تجد سبيلا إلى التستر في ثنايا اللغة التواصلية السياسية. وتحدد قوة هذه المهارات أو ضعفها في قدرة الفاعل السياسي على التفاعل مع الملابسات والتحولات التي يشهدها حدث سياسي معين مما يجعلها مقترنة بالسياق السياسي ومؤشراته الخطابية والتواصلية . ها هنا وبصفة عامة ، نذهب إلى أن بلورة نظرية للخطاب السياسي ذات كفاية وصفية وتحليلية متقدمة تستلزم استحضار المكون السياقي الذي يضمن المعالجة السليمة والشاملة لمختلف مستويات التفاعل الاجتماعي والتواصل السياسي . على أن الكشف عن أهمية السياق السياسي يقتضي إدراك الخلفيات المنهجية الكامنة خلف تبئير مفهوم السياق عموما ؛ كما أنه متى علمنا أن السياق السياسي فرع عن السياق الإنساني وأن الأصل أسبق عن الفرع ، علمنا معه ضرورة بسط الحديث أولا عن مقولة السياق بشكل عام .