1 التواصل البيداغوجي داخل الفصل من المسلم أن التربية داخل الوسط العائلي والمدرسي تتوقف على حسن تواصل الكهول مع الأطفال والشباب. فالانصات الحقيقي والتفهم والتبادلات الايجابية والمواقف الملائمة وهي التي تبني أسس العلاقات الطيبة وتساهم بفاعلية في إحداث التأثير التربوي المنشود. فأساس التنشئة الاجتماعية والأخلاقية الملائمة تكمن في حسن التواصل مع النشئ أما في ميدان التعليم بالذات وفي اكساب المهارات الفكرية والتقنية والعملية فإن تحفيز المتعلم على التحصيل وتيسير هذا التحصيل لديه انما يتم بواسطة الطرق الملائمة ووسائل الايضاح وغيرها وكل هذه العمليات تبنى أساسا على عملية التواصل الناجح القائم على الاحترام المتبادل وحسن المعاملة والتحاور وخاصة القدرة على حسن الاصغاء إلى الآخرين بطريقة أفقية سلسة ولينة بعيدا عن كل علاقات عمودية فوقية وما يحكمها من نرجسية تضخم الأنا وتهمّش الآخرين كل وتقصيهم أحيانا لرغبة دفينة في الذات على فرض مواقف معينة ليست لها علاقة اطلاقا بالتربية والتعليم. ومن مظاهر التواصل البيداغوجي العمل المجموعي وتشجيع التلاميذ على المشاركة في الفصل وكل ما تنظمه المؤسسة التربوية من رحلات ومشاريع وكلما كان المدرس متمكنا من كل آليات التواصل البيداغوجي كلما تيسر للمتعلمين عملية الانخراط والمساهمة الفعلية في انصاح كل المشاريع المؤسسة. ونذكر في هذا السياق بأنه من الأكيد أن تطرح عديد الاشكاليات المتعلقة بالتربية وبالتعليم في ضوء متطلبات التواصل البيداغوجي. هل نصغي بقدر مهم إلى التلاميذ وندرك الصعوبات التي تعترض سبيلهم؟ هل نيسر بكفاية تواصلهم فيما بينهم وتواصلهم معنا؟ 2 الظروف والعوامل الميسرة للتواصل البيداغوجي تتجسد عملية تيسير التواصل أساسا في توفير الظروف المادية والمعرفية والاجتماعية والوجدانية الملائمة للمقام التواصلي حتى يتمكن الباث من تبليغ معلومات أو بيانات أو خطابات أو رسائل أو حل مشكلات بالشكل المنشود وتكريس مبادئ التواصل الحر بين الباث والمتقبل وتأكيد مفهوم التعددية الراجعة. وعندما نتحدث عن الظروف المادية الميسرة لهذا الشكل من التواصل وأعني هنا التواصل البيداغوجي فإننا نعني بذلك بأن يكون مكان اللقاء ملائم لتواصل حقيقي (هدوء إضاءة تهوئة تجهيزات نظافة) زمان اللقاء وهو مدروس ومخطط له إلى جانب وسائل الاتصال والايضاح المناسبة للموضوع والمساعدة على تحقيق الأهداف المعلنة أما العوامل المعرفية والثقافية الميسرة للعملية التواصل يمكن أن نذكر لغة الخطاب وهذا يتوقف على مدى حذق المخاطب للغة التواصل وتطويعها للغرض المنشود، التنغيم المناسب النطق الواضح للحروف والمقاطع هذا اضافة إلى ضرورة احترام المرجعية السوسيوثقافية، المرجعية الثقافية المشتركة في شأنها أن تسهل التبادل والتفاهم وفي صورة اختلاف المرجعيات يتحتم وجود حد أدنى من الشروط حتى يتم التواصل بينها، حذق لغة الآخر أو اعتماد وسيط لتبليغ الأفكار بين الطرفين وحسن استعداد مختلف الأطراف رغم اختلاف المرجعيات والايديولوجيات للتواصل تحت سقف واحد يضمنه عقد اجتماعي أخلاقي يلزم كل الأطراف المعنية بالتواصل. أما في ما يتعلق بالعوامل الاجتماعية الميسرة للتواصل نذكر عامل الجاهزية والدافعية من خلال الرغبة في ربط العلاقة وفي التبادل والتساوي المبدئي بين أطراف الاتصال وتحفيز الآخرين على التواصل والتبادل والتفاعل البنّاء أما العامل الآخر فهو مقترن بالايجابية من خلال الثقة في الذات وفي الآخر وقبوله كما هو مع محاولة فهمه من منظاره إضافة إلى التخلص من الأفكار والأحكام المسبقة مع تكريس حرية التعبير وحق الذوات. 3 التواصل الاجتماعي داخل المؤسسة التربوية: أهمية الاصغاء والقيادة في البداية نذكر بأنّ عملية التواصل داخل كل مؤسسة تربوية إنّما هو دلالة تبرز السعي الدائب والنزوع اللامحدود للأطراف المعنية بهذا التواصل من مدرس وتلميذ وأولياء وزملاء وإدارة وإشراف بيداغوجي إلى العمل على تحسين المناخ داخلها لاسيما ايجاد أحسن السبل والمناهج لدفع المتعلمين على اقبال أكبر على الدرس ولعلنا لا نغالي حين نجزم بأنّ التواصل داخل المؤسسات التربوية أمر يقتضي في المقام الأول استعمال آليتين اثنتين في ذات الحين: القيادة والاصغاء. والقيادة لا تعني هنا الاشراف على ما يحدث عن بعد وإنّما في الأخذ بزمام المبادرة وخلق فضاءات يلتقي فيها الفاعلون للتحاور والتشاور والاستشارة والكلام وخاصة الاصغاء لغرض اعطاء معنى للتجربة المعيشية وفهم الموضوع أو الاشكاليات العالقة داخل الفضاءات التربوية فهما جيّدا الى جانب البحث في الطرائق والأساليب الموصلة للحلول ومن ثمّة فقد أصبحت مهمة المؤسسة التربوية اضافة الى مهمتها التقليدية المتمثلة في تنمية المواهب والمهارات ضمان بعدي الوقاية والاستشراف ولذلك فهي مطالبة بتشخيص الحالات النفسية المختلفة للمتعلمين الذين يطالبونها بذلك وتوفير العلاج الناجع لها فكلما انعدم التواصل داخل المؤسسة التربوية كلما كان الأداء باهتا وكلما تراكمت الاشكاليات والاخلالات ولهذه الأسباب فإنه من الضروري إدراك أهمية الاصغاء لشواغل ومشاغل كل الأطراف المعنية بهذا التواصل بل إنه الوسيلة الأنجع لتدارك كل الصعوبات والنقائص التي من الممكن أن تعترض المؤسسة التربوية نتيجة انعدام كل أشكال التواصل ونذكر في هذا السياق بأن الاصغاء الجيّد هو من العوامل المساعدة على إنجاح عملية التواصل داخل المؤسسة التربوية اضافة الى أنه أداة لمزيد تفعيل أثر ودور الكلمة لدى المتعلم بالعناية بماهية مضمونها بغض النظر عن طريقة بثها. ومن البديهي أن تتوفر جملة من الشروط حتى يحقق الاصغاء أغراضه المنشودة كما ينبغي، إذ يتمّ الاصغاء عندما يقرّر المصغي الامتناع عن الرد وهذا لا يعني اطلاقا إن الخطاب لا قيمة له بل تزداد قيمة المتكلم كلما كانت مساحة الاصغاء أكبر لهذا، فإنه من الضروري أن نعي بأهمية المصغي ودوره الحاسم في المحافظة على أكبر مساحة للاستماع للباث الذي يبدو في حاجة ماسة الى ذلك. فكلما أحس هذا الأخير بأن رسالته مسموعة كلما ازدادت رغبته في الكلام بغض النظر عن أغراض الكلام المختلفة وهذا يتوقف دائما وأبدا على رحابة صدر المصغي وعمق وثراء تجربته لاسيما بعد نظره وذكائه وحنكته. فكلما شعر التلميذ بأنه مسموع وبأن محدثه يحسن الاصغاء إليه كلما تعززت الرغبة لديه في الاقبال على الكلام لاسيما في علاقته بأشيائه الخاصة وأسراره وتشجيعه على تحويل ما يختلج بذاته من أسئلة واستفسارات وحيرة وقلق الى أشكال ابداعية وانتاجية على نحو الكتابة أو الشعر أو الرسم أو الموسيقى... من الشروط الأخرى للاصغاء يمكن أن نذكر اضمار حدّ أدنى من الحياد تجاه المحتوى فالغرض الأساسي لا يعنى بالمحتوى وإنّما بعملية الكلام ذاتها ومن المؤكد أنه لضمان اصغاء جيد على المصغي ألا يؤسس لصداقة مع المتكلم ولا وصاية عليه وأن يكون مستعدا لترك مكانه لطرف آخر ليقوم بنفس الدور عوضا عنه كما ترتبط قدرة الانصات بقدرة التركيز والصمت. كما أنه لا يمنع من تبادل الآراء قصد تعديل المسارات انطلاقا من حاجة المتلقي ومن فهمه للرسالة ومن تفاعله معها. ومهما يكن فإن الانصات الحقيقي مرتبط بالقدرة على الملائمة بين الاستماع الى الغير لا الاستهتار بمعاناته والتفاوض معه لحلّ المشكل وتعميق التشاور وتحقيق كل أغراض التواصل لاسيما تحسين كل أشكال المردودية التعليمية داخل المؤسسة التربوية. ٭ بقلم: خولة الزايد شعباني (المدرسة الصادقية تونس)