جميل جدا أن نعمل على تكريس القيم الإنسانية و أن نتبع خطى أرقى الدول و التجارب العصرية. الديمقراطية و التشاركية و اللامركزية كلها مفاهيم تقدمية حققت أكثر عدلا و أكثر صونا و إحتراما للذات البشرية. لكن هل يمكن تطبيقها في بلادنا بعد أن خربنا الدولة و اقتصادها و أمنها و صحتها و تعليمها؟ هل يمكن تطبيقها بعد أن خربنا عقلية المواطن و انتزعنا منه حتى المفاهيم البديهية للتمييز بين خير و الشر و بين المعقول و اللامعقول؟ هل يمكن تطبيقها في ظل مجتمع تفشى في كل ركن من اركانه الفساد و الخيانة الوطنية؟ حين إطلعت على العديد من القائمات الإنتخابية دون تمييز بين الاحزاب أو المستقلين ذهلت من عدد الصعاليك التي تصدرت فيها مراكز متقدمة وستتواجد حتما داخل المجلس البلدي أو تترأسه أصلا. بعضهم جياع ترشحوا من أجل الإرتشاء و تسوية ملفات رخص غير قانونية و بعضهم الآخر ترشح حتى لا ينفذ في بناءاته قرارات الهدم أو قرارات إزالة لإحتلاله مساحات عمومية، حتى أن البعض الآخر من ذوي السوابق العدلية. فإذا ما ربطنا كل هذا مع ما فرضه القانون الانتخابي من تشكيل لمجالس غير متجانسة لا يتحمل فيها اي حزب بعينه أية مسؤولية فالأكيد الأكيد أنه بعد مدة وجيزة من بداية عمل البلديات ستكثر الاستقالات و سيتفشى الفساد داخلها و ستحال على المحاكم أعدادا مهولة من شكاوى الفساد ضد أعضاء أو رؤساء بلديات ثم بعد ذلك سيستغل موظفو و عملة البلديات هته الفوضى للعصيان أو لمزيد إنهاك الميزانية، بعض رؤساء البلديات لن يجد مخرجا سوى سياسة الهروب الى الأمام و سيعلن على السلط التمرد و العصيان و سيحاول كسب الشعبية بالخطابات الشعبوية. ستحل الفوضى في الخدمات و ستدمر بعض المناطق و المدن و ستتراكم القمامة و الزبالة الى درجة تنذر بتفشي الأوبئة و سنعرف في الأخير أننا لسنا مؤهلين لا للحرية و لا للديمقراطية و لا للتشاركية و سنعيد للبلدية نيابتها الخصوصية.