السّلام عليكم... أطلّت علينا أمس أخبارا مفادها انشقاقات في صفوف أحزاب كبيرة في بلدي مثل حزب حركة النهضة و الحزب الديمقراطي التقدمي و غيره، و في صفوف أحزاب تعتبر صغيرة السّن من التي ولدت بعد الثورة، و لعلّ أوّل سؤال يطرح نفسه عند سماع هذه الأخبار... هو سبب هذا الانقسام لأنّه من غير الطبيعي أن يبدأ مِعول الفرقة في العمل قبل مخيط التجميع، إلاّ أنّي أستطيع أن أجزم بأنّي أملك الإجابة على هذا السؤال البديهي لذلك فأنا أكتب لكم ... هل تتذكّرون تلك المقالة التي تعرضتُ فيها للحالة السيّاسيّة و الثوريّة في بلدنا؟ و التي عنونتُها تحت عنوان “أعواد ثقاب في علبة شعب”؟ و التي صدرت في جزأين و لم يصدر جزءها الثالث بعد، المقالة التي حذّرت فيها من أنّنا نعيش حالة من كثرة الزّعامات تُنبئ بالخطر، و أنّ الرّهط فينا – و الرّهط هو القليل من الناس- أصبح فيه الزّعماء أكثر من العامّة، و أن العاهة الحقيقية لما ألمّ بنا، هي تصوّر كل متكلّم لبق في مجموعة من المهتمّين بالشأن العام، أنّه زعيم لتلك المجموعة، فريد عصره فيها، ديكُ زمانه عليها، رغم أنّه لا يكون في أغلب الحالات التي لاحظتُها و درستُها، سوى من هؤلاء المثقفين المقلوبين الذين هم على شاكلة رأس البصل لا يستقيم رأيهم إلاّ عند عكس أسفله فوقه... و هذه الظاهرة جعلت المتكلّمين أكثر من السامعين، و الرؤساء عددهم جاوز المرؤوسين، و الفاهمين فاتوا المستفهمين – و المستفهم هنا من استفعل و هو طلب المشاركة في الفعل حسب صراط النحويين- ممّا طبع فشلا في التنظّم، تجلّى في عدم بروز أي قائد بالمفهوم الحقيقي للقائد، كما تجلّى في تحوّل المحلّلين الرّياضيين و الأهداف و المباريات، إلى محلّلين سياسيين، لهم رأي في موضوع هم أبعد الناس عنه... كما تجلّى في مراودة فكرة الزّعامة لعديد رجال المال الذين مَنعهم جهلهم الأزليّ أن يدركوا أن السّياسة فن و علم، قبل أن تكون مال و ذمم... كما تجلى كذلك في مربط فرس هذا المقال، و هو عزوف عديد الزعماء المزيفين عن الاصطفاف وراء تنظيم يتزعمه زعيم، هو في نظرهم مزيف أيضا... و هكذا... لكن الخطأ في نظري يتجاوز هؤلاء الزعماء الفاشلين، ليطال هؤلاء التنظيمات التي سُمّيت عند تأسيسها أحزابا، بسبب أنّ الحزب نفسه هو وليد فكرة أحدهم من هؤلاء المزيّفين... نظر في ليلة بدراء في مرآة بيته... فعشق نفسه... و رأيه... و لسانه... فأقسم مع المقسمين بأن يؤسّس حزبا إذا يصبحون... حتى إذا كان له ما أراد، و جمع لنفسه المناصرين العضاد، ممّن اشتراهم بمال أو بآية من آيات الله ، أو بوعد بخراج من أرض مصر... خرج في حلّة بينهم و هم في هالته يتهامسون... و يفكّرون...يتساءلون... في شجون.... عن مبلغ الهديّة و مقدار العطيّة... حتى إذا اكتشفوا أنّه المفلس رأيا ... و القابض حذقا... ليس له من كلام سوى الملحون... و من فكر سوى المعفون... و أنّه يطلب حثيثا جملة مفيدة بلغة بني جلدته، فلا تطيعه الكلمات و لا يطيعه المخزون... و أنّه لا يملك من العطاء، سوى الوعد و الوعيد، و ما شابه الرّغيف... و أنّه لا يبغي منهم سوى كرسيّ في وزارة، أو مفتاح في عمارة... انقشعوا عنه هاربين... و نحو تكوين حزب جديد أو تكتّل عتيد شارعين... و على غير الله متوكّلين، و على حساب شعب قيل أنّه قد قام بثورة متآمرين. فهل أوصلت لكم الفكرة التي أحبّ أن تَضرِب صميم الفكر فيكم؟