أكثر من أسبوعيْن مرّت على العاصفة التي شهدتها أروقة إذاعة صفاقس , وكانت محلّ تنديد شبه إجماعي من مكوّنات المجتمع المدني والحقوقي والسياسي والنقابي , والتي كانت الطرفَ الأبرز فيها ما يُسمّى ب”رابطة حماية العوْرة بساقية الزيت” , بتواطؤ مفضوح ومكشوف وصل حدَّ السقوط الأخلاقي المُدوّي من ابنيْن من أبناء الإذاعة لا أُريد أن أخوض فيه في هذا الموضع إيمانا بواجب التحفّظ وعدم نشر الغسيل الوسخ للبيت الداخلي على قارعة الطريق ولا أُخفي بالمناسبة أنّني كنتُ قررتُ بألاّ أكتب في الموضوع كلمةً واحدة حتى لا أجدَ نفسي مُنْجرّا ومدفوعا للكشف عن حقائق وممارسات مهنيّة وأخلاقية عمّن يدّعي اليوم عفّةً وطهارةَ للأسباب التي ذكرتها آنفا لأنّها بالنهاية ضربٌ من ضروب جلْد الذّات لن تجني منها إذاعتُنا غير المزيد من التشويه والتّشنيع , وعملا بالحكْمة القائلة : لا تبْصقْ في إناء تشرب منه . لكنّني للأسف وجدتُ نفسي مجْبرا لكتابة ما بين أيديكم وقد حُشِر اسمي في معركة هي أشبه ما تكون بمحاولة انقلابيّة يقف وراءها جنرالات السياسة وجنود التنفيذ ولأنّ هويّةَ جنرالات السياسة في واقعنا الحالي باتت معلومة لدى الجميع , فإن جنود التنفيذ لم يخرجوا عن الثكنة التي تأويهم في مختلف معاركهم تحت مسمّى “رابطات حماية العوْرة” ولم تختلف “مهامّهم الثورية جدااااا” إزاء كل الفرقاء والفاعلين في المشهد الوطني الذي أفرزه الواقع الثوري , عن منطق العصا أي الانقلاب على الاستحقاقات الثورية الحقيقيّة بنفس الأساليب التي صنعت الثورة نفسَها إيهاما بالدفاع عن الثورة وحماية أهدافها وهو ما يُعرف لدى الجميع بالثورة المضادّة ضمن هذا التمشّي الخبيث عمد “مجلس حماية العوْرة بساقية الزيت” إلى نشر صورتي على موقعه في الفايسبوك مع مقال سابق لي تناولتُ فيه تجاوزات وبعض الممارسات التاريخية لرمزيْن من رموز النقابة الأساسية لإذاعة صفاقس , يوحي لقارئه بأنّني ألتقي موضوعيا مع المخطّط الانقلابي على إذاعة صفاقس وإدارتها والعاملين بها وأنا أحدُ أبناءها , الذي تُجهّز له هذه الجماعة , وأنّني وضعتُ نفسي كما فعل البعض رهْن بنانها لتنفيذ أجندتها بتشويه من تشاء وتبييض وتلميع من تشاء وإمْعانا في الكذب والمغالطة ونُصْرةً لمن جاءها مُهرْولا مُحاضرا في “نظريّات الإعلام والثورة” حصرت عصابة “العوْرة” ما يجري من مخاض في إذاعتنا –تكاد كلّ مؤسسات الإعلام بمختلف اختصاصاتها تشهده وهو بالمناسبة من علامات البشائر في القطاع- في مراكز قوى متمكّنة تيتشكّل من الأضْداد : النقابة والمدير , بما ينُمّ عن جهل كامل وقِصر نظر وتزييف للحقائق . ذلك أنّ نقابة إذاعة صفاقس الحالية مهما تطاوست وانتفخ صدرُها تبقى بالونَ هواء ينفجر أمام أوّل “شوْكة هندي مالس” لأنّ من كان شعارُه “إبليس ينهي عالمنكر” ومن كان مستواه التعليمي وهذا ليس عيْبا بحدّ ذاته Sixième moins six لا يمكن أن يكون فاعلا إعلاميا فيما مضى أو حاضرا أو مستقبلا . أمّا المدير الحالي السيد هشام الكرّاي وهو بالمناسبة لا تربطني به علاقة عائليّة سوى التشارك في اللّقب , فهو أحدُ أبناء الإذاعة المطّلعين على خباياها وكلّ العاملين بها , وهو لمْ يدّع يوما بأنه من العارفين الذي لا يُشقّ له غبار في الإعلام الإذاعي بما أنّ اختصاصَه هندسة إعلامية , ولكنّه في ظلّ مقتضيات الواقع الإعلامي الجديد وبانتظار بلورة الهياكل الرسمية التي سيوكل لها مهام تسيير المرافق الإعلامية العمومية , معْنيّ فقط بالتسيير الإداري والمالي للمؤسسة , على أن يتكفّل الصحفيون والمنشّطون والمسؤولون عنهم بصياغة الخطاب الإعلامي بها , وهو بهذه الصّفة وأنا شاهد على ذلك لم تكنْ له أيّ كلمة مطلقا فيمن يتدخّل أوْ لا يتدخّل على أمواج الإذاعة مباشرة يوم اغتيال شهيد الوطن شكري بلعيد , ولم يقم بانتداب أو تشغيل أيّ كان منذ تسميته على رأس الإذاعة التي لم تمر عليها سوى أشهر قليلة , وأُقسم ب”الثلاثة” أنّ قرارَ الاستغناء عن بعض المتعاونين وبينهم بعض المتقاعدين من أبناء الإذاعة , قرارٌ اتّخذه الرئيس المدير العام للمؤسسة زمن المدير الذي سبِقَه , وهو قرار خاطئ لا دخْلَ فيه لنقابة “أبو جهل” , أفْقَدَ الإذاعة بعض أسمائها اللاّمعة القادرة على مزيد الإضافة والإحاطة بالجيل الجديد من الصحفيين والمنشّطين وأريد أنْ أُذكّر بعد هذا من يرى في مواقفي ماضيا وحاضرا ومستقبلا إن شاء الله من عصابات “حماية العوْرة” سندا موضوعيّا لأجندته الانقلابية , بأنّني ما التقيْتُ ولن ألتقي يوما واحدا مع سعيكم المحموم في ضرب وتشويه الجنين الديمقراطي الذي يختمر في رَحِم تونس اليوم , بل كرّستُ قلمي وكتاباتي في هذا الموقع وعلى صفحات جريدة المغرب لكشف إجرامكم وعنفكم غير المسبوق الذي وصل حدّ القتل والزجّ تونس في أتون العنف السياسي الأعمى متدثّرين بغطاء من يرى فيكم “ضميرا للثورة” . وحتّى لا تنسى ذاكرتكم المريضة , أُذكّركم بالمقال الأول الذي كتبتُه عنكم يوم استبحْتم حُرْمة إذاعتنا بمباركة وتواطؤ انكشفا اليوم للقاصي والدّاني من مديرها آنذاك , فروّعتم النساء والحوامل , ونشرتم سمومكم على الملأ عبر أمواج أثيرها يوم الحادثة وبعد يوميْن منها , يومَها كتبتُ لكم باسم مجموعة من أبناء الإذاعة : لا مصالحة لا اعتراف لا تفاوض وتتالت المقالات بعد ذلك فكان مقال : في فنون ترهيب الخصوم : مجالس حماية الثورة مثالا , ومقال آخر بعنوان : أحرار أم عبيد معمّرون أم مدمّرون , أعقبه مقال بعنوان : مجالس حماية العوْرة تْحبْ تتغطّى , وغيرها من المقالات التي لن تنقطع إن شاء الله قبل اندثاركم للأبد من حياتنا وإذا كان جهلُكم بعد هذا ومحدودية فكركم ذهبت بكم لاعتباري حليفا موضوعيا لكم على أساس من زَرَع في “مْخاخكم” بأن نقابة إذاعة صفاقس الحالية طرفٌ فاعل في المشهد الإذاعي بها , وأنتم الذين جُبلْتم على كرْه العمل النقابي مهما كان شكله وسِخَه ونظيفه , فإنّ قذارة فعْل هذه النقابة الذي شهّرتُ به كهيكل في المقام الأول إيمانا وحبّا في العمل النقابي وليس العكس , لا يَقِلُّ قذارةً وحقارةً عن صنيعكم , بل أنتم بامتياز عنوانُ القذارة بعيْنها وأُذكّركم بالمناسبة بمقالي الذي كتبتُه بعد “غزوة” عصابتكم الفاشلة على مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 4 ديسمبر الماضي وإدانتي الواضحة وغير المشروطة لاستهدافكم لأكبر قلعة نضال وطني والبيت الجامع لكلّ التونسيين الشرفاء , وهذه قناعتي التي لن تتزحزح والتي لا تمنعني في كلّ الحالات من التشهير بأمثال نقابة إذاعة صفاقس ونقابة مستشفى الهادي شاكر ومواقف الاتحاد الجهوي لصفاقس إزاءهما وشعاره المتخلّف “انصر أخاك ظالما أو مظلوما” . ولْيُراجع من يشاء مقالاتي التي كتبتها في شهر رمضان المنقضي في الغرض وقبل أنْ أختم أنصح الباحثين عن عذريّة ثوريّة عبْر كيْل الاتّهامات والأكاذيب على الغير , للتوْرية والتغطية على مآثم الأخلاق ومخزيات الأفعال , إنْ خانتْكم الشجاعة فاحرصُوا على ألاّ تخْسروا قِيَمَ الرجولة , ومن كان بيتُه من زجاج لا يرمي بيتَ جاره بالحجارة , فمن تربّى يأكل من موائد السلطان ماضيا وحاضرا لا يُعطي دروسا في الأخلاق ولا يَنْظُمُ عُكاظيّات الإعلام , فأنتم بامتياز من قال فيكم المبدع أحمد مطر : سمعت اليوم جرذا يخطب في النظافة متوعّدا الأوساخ بالعقاب وحوله يصفّق الذباب …