الفيفا يحسم مصير مباراة المركز الثالث في بطولة العرب 2025    رئيس الجمهورية وسفير إسبانيا يؤكدان حرص البلدين على شراكة متينة ومتواصلة    فظيع/ وفاة كهل حرقا داخل سيارته..وهذه التفاصيل..    مصر.. ايقاف البحث عن 3 أشخاص دفنوا تحت الأنقاض    القيروان: وفاة كهل حرقا داخل سيارته    التفاح والبرتقال: أيهما أغنى بفيتامين 'سي' والألياف؟    وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يخاطب نظراءه الأفارقة عبر «الشروق» .. روسيا إفريقيا: آفاق جديدة للأصدقاء القدامى    غيّرت عقيدتها .. استراتيجية أمريكا... تُغضب إسرائيل!    كشفها حجز حسابات بنكية وسيارات فخمة .. خفايا سقوط «امبراطورية» القمار    منزل بورقيبة .. فضاء نموذجي للمطالعة بالمكتبة العمومية.... والتربية الوالدية تحت المحك    برّ الوالدين ..طريق إلى الجنة    خطبة الجمعة ..طلب الرزق الحلال واجب على كل مسلم ومسلمة    وخالق الناس بخلق حسن    المغرب يتوّج بلقب كأس العرب فيفا قطر 2025 بعد نهائي مثير أمام الأردن    الليلة: أمطار والحرارة تتراوح بين 9 درجات و17 درجة    عاجل: الألعاب الإفريقية للشباب لواندا: ياسمين الهواني تُهدي تونس ذهبية التايكواندو    قتلى بعد تحطم طائرة أثناء هبوطها في مطار أميركي    الكاف: يوم تحسيسي لتشجيع صغار الفلاحات على الانخراط في منظومة الضمان الاجتماعي    عاجل/ نشرة متابعة جديدة للرصد الجوي: أمطار رعدية الليلة..    عاجل/ بمناسبة عطلة الشتاء: وزارة النقل تتخذ جملة هذه الإجراءات..    افتتاح الدورة 14 من معرض مدينة تونس للكتاب    وزير الداخلية يعطي إشارة انطلاق عمل دار الخدمات الرقمية ببلدية بئر مشارقة    لقاء علمي حول اللغة العربية بكلية الآداب بمنوبة    الولايات المتحدة تسلّم تونس تجهيزات أمنية بقيمة 1.4 مليون دولار لدعم مكافحة الإرهاب    انتداب خريجي التعليم العالي : الشروط اللى تخليك تسجّل في المنصّة    توزر: استعدادات لإنجاح الأنشطة السياحية بمناسبة عطلة الشتاء واحتفالات رأس السنة    القيروان :حادث مرور يسفر عن احتراق سيارة و تفحّم السائق داخلها    المنستير: عروض متنوعة خلال الدورة 12 من تظاهرة "الأيام الثقافية لفنون الفرجة" ببنبلة    بودربالة يجتمع بممثّليْن إثنين عن عمال الإعاشة لدى الشركات البترولية بصحراء تطاوين    عاجل/ هذا موعد أوّل رحلة للحجيج وآخر موعد لاستكمال إجراءات السفر..    رسميا: نعيم السليتي جاهز للمشاركة في كأس أمم إفريقيا    تأجيل محاكمة العميد الأسبق للمحامين شوقي الطبيب إلى 12 فيفري المقبل    القصرين: سائقو التاكسي الفردي يجدّدون احتجاجاتهم للمطالبة بالترفيع في عدد الرخص    فيلم "هجرة" للمخرجة والكاتبة السعودية شهد أمين : طرح سينمائي لصورة المرأة وصراع الأجيال    حزب التيار الشعبي يلتقي قيادات من حركات المقاومة الفلسطينية    وفاة رضيع نتيجة البرد القارس في خان يونس..#خبر_عاجل    تظاهرة كروية جهوية من 23 الى 26 ديسمبر 2025 بالمركز الثقافي والرياضي للشباب بن عروس    كوتش يفسّر للتوانسة كيفاش تختار شريك حياتك    زيلينسكي: روسيا تتهيأ ل"سنة حرب" جديدة في أوكرانيا    تزايد حالات التهابات الأنف والأذن والحنجرة: تحذيرات من دكتورة تونسية    لا تفوتوا نهائي كأس العرب لكرة القدم بين المغرب والأردن..موعد والنقل التلفزي..    كأس القارات للأندية فيفا قطر 2025: لويس إنريكي مدرب باريس سان جيرمان سعيد بالتتويج    دار الصناعات التقليدية بالدندان تحتضن معرض "قرية وهدية" من 22 الى 30 ديسمبر الجاري    فتح باب الترشح لجوائز الإبداع الأدبي والفكري والنشر لمعرض تونس الدولي للكتاب    سيدي بوزيد: اضراب جهوي لأعوان الشركة الجهوية للنقل القوافل    كرة اليد: اليوم النظر في إثارة النادي الإفريقي ضد لاعب الترجي الرياضي    رحلات وهميّة نحو تونس: عمليّات تحيّل كبيرة تهزّ الجزائر    نائب بالبرلمان: تسعير زيت الزيتون عند 15 دينارا للتر لن يضرّ بالمستهلك..!    دراسة تحذر.. "أطعمة نباتية" تهدد صحة قلبك..تعرف عليها..    بطولة الكويت: طه ياسين الخنيسي ينقذ الكويت من الخسارة امام السالمية    الستاغ: هاو كيفاش تتمتّع بإجراءات تسهيل الخلاص بداية من 22 ديسمبر    عاجل/ رصدت في 30 دولة: الصحة العالمية تحذر من انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا    الاتحاد الأوروبي يوافق على قواعد أكثر صرامة بشأن ترحيل طالبي اللجوء    عاجل/ عامين سجن في حق هذا الفنان..    مستشفى شارل نيكول: نجاح أول جراحة الكلى الروبوتية في تونس    عاجل/ "الستاغ" توجه بلاغ هام للمواطنين..    شيرين تردّ على ''الكلام الكاذب'' عن صحتها وحياتها    8 أبراج تحصل على فرصة العمر في عام 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحبيب الجملي نهاية رجل مغرور بقلم عبد اللطيف درباله
نشر في صحفيو صفاقس يوم 11 - 01 - 2020

القصّة الكاملة لإسقاط الجملي لنفسه وللحزب الذي رشّحه :
منذ أن عيّن مجلس شورى حركة النهضة الحبيب الجملي لرئاسة الحكومة.. أعطى الكثيرون رأيهم فيه بأنّه ليس على قدر المنصب ولا إدارة دولة كاملة..!!
وكنّا من بين من كتبنا ذلك في عدّة مقالات في أوّل يوم.. وطوال الفترة الموالية..
واعتبر الكثير من قيادات النّهضة وأنصارها وقواعدها مثل ذلك التقييم السلبي للجملي.. تحاملا على النّهضة.. وتجنّيا على الرجل.. قبل أن تكتوي النّهضة نفسها بنار خيارها السيّء..!!
وقد سبق وأن شرحنا في عدّة مقالات تحليليّة خفايا تعيين الحبيب الجملي.. والذي أتى أساسا باقتراح جناح وشخصيّات معيّنة في النّهضة.. بطريقة خفيّة.. وتمّ تمريره كالرجل الأنسب بين قائمة ضمّت ما يقرب عشر شخصيّات..
وكان معيار التصويت الأوّل له من طرف مجلس الشورى هو بعده عن راشد الغنّوشي زعيم الحركة.. لكون غالبيّة أعضاء مجلس الشورى أصبحوا في خلاف معه.. ويخشون أن يسيطر الشيخ أيضا وفي نفس الوقت على رئاسة الحركة.. وعلى رئاسة مجلس النواب.. وعلى رئاسة الحكومة لو أتى برجل من عنده.. وهو ما يقوّي هيمنته.. ويجعله في موقف قوّة إزاء خصومه بالنهضة.. خاصّة على أبواب مؤتمر حاسم للحركة مبرمج في شهر ماي المقبل.. وينتظر الكثير من قيادات النهضة أن يكون موعد خروج الغنّوشي من رئاسة الحركة طبقا لنهاية مدّته وعدم إمكانيّة تجديدها.. إلاّ في حالة تنقيح القانون الداخلي..
منذ أن وقع تكليف الحبيب الجملي من حركة النهضة.. كانت العلاقة بينه وبين رئيسها راشد الغنّوشي متذبذبة ومتوتّرة.. وكان واضحا بأنّ الجملي يدين بالولاء داخل النهضة ليس للحركة في حدّ ذاتها كحزب.. وإنّما للأشخاص أو الجناح الذي كان صاحب الفضل في تعيينه..!!!
بعد فشل آخر محاولة لتشكيل حكومة بالتحالف بين حزب النهضة وإئتلاف الكرامة والتيّار الديمقراطي وحركة الشعب.. لم يعد أمام النهضة من خيار واقعيّا وعمليّا.. إلاّ تكرار سيناريو التوافق الذي أوصل راشد الغنّوشي إلى رئاسة البرلمان.. أي التوافق مع حزب قلب تونس وكتلة الإصلاح الوطني..
وفي الوقت الذي كانت النهضة متردّدة في القيام بتحالف معلن وصريح مع حزب نبيل القروي نظرا لتعهّدها سابقا بعدم التحالف معه.. واعتبارها للأمر محرجا سياسيّا وشعبيّا.. استغلّ الحبيب الجملي ذلك التردّد.. ليعلن بطريقة سريعة خاطفة ومنفردة إعتزامه تكوين ما أسماه “حكومة كفاءات مستقلّة”.. وقال أنّه اتّخذ ذلك القرار بمفرده.. وعلى مسؤوليّته باعتباره الحلّ الأفضل في رأيه.. ودون التشاور مع حزب النهضة الذي كلّفه..
والحقيقة أنّ أغلب القوى السياسيّة والمراقبون لم يصدّقوا ذلك.. واعتبروه تقاسما للأدوار بينه وبين النّهضة.. قبل أن يتبيّن أنّ الأمر صحيح فعلا..!!
في ما تأكّد من معلومات.. فإنّ اتّفاقا حدث في الأيّام الأخيرة بين راشد الغنّوشي وبين نبيل القروي على تكوين حكومة بالتوافق بينهما.. وكانت تركيبتها شبه جاهزة.. وقد دعى الغنّوشي الجملي ليعلمه بالاتّفاق وسلّمه قائمة شبه جاهزة طلب منه العمل عليها.. باعتبار أنّ ذلك هو الحلّ الوحيد لجمع الدعم النيابي المطلوب لنيل الحكومة الثقة.. وكان يفترض أن ينضمّ إلى الاتّفاق حوالي 10 من نواب كتلة الإصلاح الوطني برئاسة حسونة الناصفي.. وكذلك حوالي 9 نواب من كتلة المستقبل.. إضافة إلى حوالي 10 نواب من كتلة إئتلاف الكرامة.. وهو ما يعني بأنّ الغنّوشي أمّن للجملي ما يناهز 120 صوتا..
إلاّ أنّه للغرابة فإنّ الحبيب الجملي رمى بتلك القائمة عرض الحائط.. وواصل تخبّطه على طريقته.. زاعما أنّ لديه حلولا أخرى.. وسرّع في نفس الوقت نسق مفاوضاته لإنهاء تركيبة حكومته.. محاولا قطع الطريق على ضغوط الغنّوشي.. حتّى أصبح لا يجيب حتّى عن مكالماته الهاتفيّة.. ويتهرّب من مقابلته مرارا.. كما أنّ بعض الإجتماعات بينهما كان الجملي فيها عنيدا وغير متعاون تماما..!!
لحسم الأمر على الطريقة التي أرادها الجملي.. وأمام تواتر طلبات النهضة بتغيير حكومته إلى حكومة كفاءات سياسيّة وليس تكنوقراط.. والإذعان لضرورة إرضاء حزب قلب تونس بتعيين “كفاءات” مقترحة منهم لضمان تصويتهم على الحكومة.. سارع الحبيب الجملي ليلة رأس السنة وقبيل منتصف اللّيل إلى نشر تسجيل فيديو على صفحته الرسميّة على الفايسبوك.. أكّد فيه أنّ حكومته جاهزة.. وأنّه أراد تسليم القائمة إلى رئيس الجمهوريّة مساء ذلك اليوم.. لكن تعذّر ذلك لارتباطه بنشاط خارج قصر الرئاسة..!!
في اليوم الموالي.. في أوّل أيّام السنة الجديدة.. قابل الحبيب الجملي الرئيس قيس سعيّد.. وسلّمه القائمة النهائيّة لتركيبة حكومته.. وتناقش مطوّلا مع الرئيس الذي أبدى له الكثير من التحفّظ حول عديد الأسماء.. ودعاه إلى مزيد التأنّي.. وبناء عليه فقد امتنع الجملي عن إعلان تركيبة حكومته كما كان مزمعا في المؤتمر الصحفي الذي تلى ذلك اللّقاء يوم 1 جانفي بقصر قرطاج..!!
وحصل الإضطراب الشهير.. فقد نشرت رئاسة الجمهوريّة على صفحتها الرسميّة على الفايسبوك خبرا عن إعتزام رئيس الدولة توجيه مراسلة رسميّة إلى رئيس مجلس النواب لتعيين جلسة التصويت على الثقة للحكومة..
ثمّ تمّ لاحقا حذف ذلك الخبر بعد نشره.. وتعويضه بخبر يؤكّد وأنّه تمّ الإتّفاق على مواصلة المشاورات والإعلان عن الحكومة في أقرب أجل ممكن.. دون تحديد..!!
في ما يبدو أنّه ردّ فعل على ذلك.. ومحاولة من الجملي لقطع الطريق حتّى على الرئيس قيس سعيّد.. نشرت فجأة على مواقع التواصل الإجتماعي في شكل تسريب.. كامل تركيبة الحكومة.. ولتأكيد صحّتها كان التسريب في شكل صور فوتوغرافيّة لأوراق مطبوعة للقائمة تحمل إسم وإمضاء رئيس الحكومة المكلّف الحبيب الجملي بخطّ يده..!!!
وأصرّ الجملي في تصريحاته الإعلاميّة على أنّه أنهى مشاوراته وحكومته.. وأنّه ينتظر عرضها على مجلس النواب.. مؤكّدا ثقته في التصويت عليها..!!
العناد الذي أبداه الحبيب الجملي يبدو غريبا ومدهشا.. فالعاقل كان يفترض أن يذعن للحزب الذي كلّفه.. وأن يبحث عن إرضاء شركائه السياسيّن كما يجب.. ليضمن عدد 109 أصوات لنيل الثقة..
لكنّ الجملي أبدى تعنّتا مثيرا للإنتباه.. ورفض كلّ محاولت التفاوض معه وتعديل الحكومة.. بل أنّه تعامل بطريقة سلبيّة وسيّئة حتّى مع قيادات من النهضة..!!
عند ذلك الحدّ.. وأمام إصرار الجملي.. بادر رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد في اليوم الموالي إلى وضع حدّ للأمر.. وأحال تركيبة الحكومة على رئيس مجلس نواب الشعب مرفقة بطلب رسمي لتعيين جلسة النظر فيها طبق الدستور..
وبادرت النهضة وقلب تونس إلى الدّفع في مكتب المجلس إلى تأجيل جلسة التصويت إلى يوم 10 جانفي.. أي بعد أكثر من أسبوع.. في محاولة أخيرة لتوفير الوقت اللاّزم لإقناع الجملي بإجراء عدّة تعديلات على حكومته من أجل الموافقة على تمريرها.. ولضمان الأغلبيّة بالمجلس..!!
في محاولة لتدارك الأمر قبل فوات الأوان.. كثّفت حركة النهضة وزعيمها راشد الغنّوشي الجهود لإنقاذ الموقف.. عبر التفاوض مع الجملي ومع بقيّة الكتل..
وطبقا لمصادر متطابقة.. منها ما أعلن عنه في عدّة وسائل إعلام.. فإنّ راشد الغنّوشي رتّب لقاء رباعيّا مع الحبيب الجملي.. ورئيس قلب تونس نبيل القروي.. ورئيس كتلة الإصلاح الوطني حسونة الناصفي.. لحسم الموضوع نهائيّا وإيجاد الحول.. وقد حضر الغنّوشي والقروي والناصفي.. لكنّ الجملي تغيّب.. تاركا الجميع في التسلّل.. وواضعا رئيس حركة النهضة في حرج شديد..!!!
نظرا لكلّ ذلك.. فقد دفعت حركة النهضة إلى عقد مجلس شورى للتداول في شأن الحبيب الجملي ومفاوضات تشكيل الحكومة.. وكان ذلك يوم الإثنين قبل خمس أيّام من جلسة البرلمان.. في ما ظهر أنّه محاولة أخيرة للضغط بشدّة على الجملي.. وتهديده.. حتّى أنّ بعض قيادات النّهضة صرّحت بأنّه من بين نقاط جدول الأعمال.. إمكانيّة سحب التكليف من الجملي..!!
لكن في الأخير.. أكّد مجلس الشورى المنعقد تجديد ثقته في الجملي.. لكن دعاه بطريقة ملحّة إلى التقيّد بتوجّه الحركة.. وبإجراء تعديلات على الحكومة..
وفي الوقت الذي كانت الآراء تختلف حول موقف الدستور من إمكانيّة إجراء تعديل على تريكيبة الحكومة المقترحة من تاريخ إحالتها من رئيس الجمهوريّة إلى ما قبل جلسة التصويت بالمجلس.. فإنّ الجملي واصل مع ذلك التعنّت منتهجا سياسة الهروب إلى الأمام.. مكثّفا تصريحاته الإعلاميّة الرافضة لأيّ تعديل على الحكومة..!!
يبدو أنّ غرور الحبيب الجملي قد صوّر له أنّ النهضة ليس أمامها من خيار إلاّ التصويت له.. رضيت عنه أم لم ترض.. باعتبار أنّ الحكومة حكومتها.. وأنّه لا بديل لها عنها.. لأنّ إسقاط الحركة لحكوتها بقيادة الجملي معناه فقدانها الحقّ الدستور في أن تكون هي الحزب الحاكم.. ويقع المرور إلى حكومة ثانية يعيّن رئيسها رئيس الجمهوريّة طبق الفصل 89 من الدستور..!!
كما كان الجملي في ما يظهر يعوّل في نفس الوقت على أنّه حتّى حزب قلب تونس.. كان سيصوّت له في كلّ الحالات.. باعتبار أنّه يخشى بدوره سقوط الحكومة التي أصبح طرفا فيها.. والمرور إلى حكومة ثانية يعيّن رئيسها قيس سعيّد.. غير الراضي عن نبيل القروي وحزبه في ما يعرف..
خاصّة وأنّ قيس سعيّد سبق وأن تدخّل في مبادرة سياسيّة كتب لها الفشل السريع.. عندما جمع في يوم الإثنين رؤساء أحزاب النهضة والتيّار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس للتوسّط بينهم بعد فشل المفاوضات في يوم الأحد السّابق..
وهو ما قد يفهم منه القروي أنّ حزبه سيكون غير معنيّ بأيّ حكومة يشكّلها رئيس حكومة مكلّف من رئيس الجمهوريّة.. ويحثّه بالتالي على التصويت لحكومة الحبيب الجملي أيّا كانت مآخذه عليها..!!
لكنّ حسابات الحبيب الجملي.. الواثق من نفسه فوق اللّزوم.. سقطت كلّها في الماء..!!!
أمام تعنّت الحبيب الجملي ومماطلته.. وأمام ما أبداه من مراوغة وطريقة غير سويّة في إدارة المفاوضات.. وأمام إنقلاب الجملي أصلا على الحزب الذي كلّفه بتشكيل حكومته.. وأمام عدم التواصل بين الجملي والغنّوشي الذي كان تقريبا هو القيادي الوحيد في النهضة الذي يتواصل معه القروي.. لا شكّ أنّ نبيل القروي شعر بأنّ الحبيب الجملي غير مضمون.. وأنّه لا يمكن الوثوق فيه.. وأنّ نواياه غامضة..!!
وممّا زاد في توجّس القروي هو أنّه رغم الاتّفاق على تحييد وزارات السيادة.. فإنّ وزارتي الداخليّة والعدل أسندت في الظاهر إلى قضاة مستقلّين.. ولكنّ الجميع يعرف بأنّ سفيان السليطي والعربي القديري هم من القضاة الدائرين في فلك وزير العدل السابق القيادي في حركة النّهضة نور الدين البحيري.. وبالتالي فإنّ رجلا مثل نبيل القروي له ملفاّت قضائيّة كبرى مفتوحة.. وخرج من السجن مؤخّرا بعد فترة إيقاف.. لن يطمأن بتاتاّ لترك الأمن والقضاء بيد شريكه في الحكم.. خاصّة مع وجود خلافات عميقة بينهما..!!!
ومرّة أخرى رفض الجملي كليّا تغيير وزيري العدل والداخليّة المذكورين واعتبرهما حجر الزاوية في حكومته..!!
بالتوازي مع كلّ ذلك التعنّت والمماطلة.. ظهرت فجأت مبادرة اكتسحت الجليد القديم بين عدوّي الأمس يوسف الشاهد ونبيل القروي..
وتزامنت (بتنسيق بيّن) مع إنشقاق بدأ يظهر داخل نواب قلب تونس.. بظهور كتلة بما بين 10 و15 نائبا بقيادة سفيان طوبال ترفض بشدّة التصويت لحكومة الحبيب الجملي..
كما بدأت وساطات داخليّة وخارجيّة من مستويات عليا من أجل تشكيل جبهة سياسيّة جديدة تمنع مرور حكومة النهضة بالبرلمان.. وتفتح مسارا سياسيّا مغايرا لا تقود فيه النّهضة الحكومة..!!
في ثلاثة ايّام.. انقلبت كلّ المعطيات..!!!
وبدأ الحبيب الجملي يدرك أخيرا بأنّ حظوظ تمرير حكومته أصبحت فعلا على المحكّ.. بأكثر ممّا استطاع عقله استيعابه سابقا..!!
وقدّم الجملي تصريحات حاول أن يظهرها معتدلة.. لكنّه بقي يرفض أيّ تعديل مسبق للحكومة.. متمسّكا بعناد وغرور بأنّها حكومة رائعة لا تشوبها شائبة.. وأنّه نظريّا يمكنه إجراء تحويرات إن اكتشف يقينا ضرورة ذلك.. لكن فقط بعد التصويت عليها..!!!
في الحقيقة.. كانت الفرصة قد ضاعت بفعل غرور وعناد وتعنّت وتمرّد الحبيب الجملي..!!!
وطغت العوامل السياسيّة الجديدة على كلّ ما سبقها من معطيات وتفاهمات وبوادر اتّفاقات.. أفشلها وأفسدها الجملي تباعا..!!
إضافة إلى ذلك.. فإنّ أغلب مفاوضي الجملي من الأحزاب والكتل المعنيّة بتشكيل الحكومة أكّدوا على محدوديّة الرجل.. وعلى افتقاده للمستوى الذي يتيح له رئاسة حكومة وتسيير دولة برمّتها..!!
واتّفق الجميع تقريبا.. على أسلوبه المخاتل والمراوغ.. المغلّف بالبساطة والحفاوة الظاهرة.. والتي تخفي الكثير من الأسرار والنوايا والأعمال الأخرى وراء الستار..
حتّى قيادات النّهضة نفسها.. وبعيدا عن التصريحات الإيجابيّة المنمّقة عن الحبيب الجملي في الإعلام.. كانوا ينتقدونه بشدّة في المحادثات الخاصّة.. وفي نقاشاتهم البينيّة.. وأدركوا بعد فوات الأوان أنّه الرجل غير المناسب.. في الوقت غير المناسب..!!!
مع إعلان المجلس الوطني لحزب قلب تونس ليلة التصويت رسميّا قراره بعدم منح الثقة لحكومة الجملي.. ومثله فعلت كتلة الإصلاح الوطني.. بقي الحبيب الجملي بغروره الزّائد وتعنّته المرضي.. مع ذلك متفائلا.. معتقدا.. أو حالما.. بأنّ كتلة تناهزالنصف من قلب تونس ستصوّت له رغما عن قرار هياكلها بالرّفض..!!!
ووجد الجملي الجرأة ليصرّح بذلك علنا وجهرا أيضا في الإعلام..!!!
هكذا.. كان غرور وعناد والسذاجة السياسيّة للحبيب الجملي.. الخطأ الشنيع الآخر.. الذي يضاف إلى سلسلة الأخطاء السياسيّة لحركة النّهضة.. والتي أدّت جميعا إلى السّقوط المدوّي لحكومتها البارحة..!!
وساهم الحبيب الجملي بشخصيّته وعيوبه وأخطائه وعنجهيّته وغروره وتعنّته.. في إسقاط الحزب الذي راهن عليه.. وفي أن يجني شخصيّا الخيبة المريرة التي ينطبق عليها المثل التونسي الشعب المعروف “يوصل للعين وما يشربش”..!!
وقد كان الماء فعلا في متناول يده.. لولا محدوديّة الرجل..!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.