الجزء الأوّل: مراسلة من حفلة عرس... و بعد أن وضعتُ أحمالي، ونفضت الغبار عن رحلتي التي كانت وراء سبب غيابي عن القلم مُدّة الانتخابات، بحُكم أنّي مترشّح لم يوفقه الله للفوز فيها، وبحكم أنّه من المستحيل على أيّ محلّل أو صاحب رأي، أن يتكلّم بموضوعيّة في حدث هو جزء منه. أرى نفسي اليوم مؤهّلا للباس جُبّة الرّأي التي عوّدتكم عليها، و التي سأتناول معكم إذا لبستها، حكاية عُرس حضرتُه مع زوجتي و أطفالي، يومَ أحد فاتَ، كان على ما يبدو في الهواء الطّلق، تحت شمس خلتُها تشرق فقط على من حضر... و فوق أرض خلتُها تضيق بسعادة و فرحة من بصر... و كنت واحد من المدعوّين، إلاّ أنّ شرف الدّعوة غمرني بدهشة كبيرة، عندما رأيت يومها أن من المدعوّين مثلي “علّيسة” التي حضرت بجلد ثورها، و”العبادلة السّبعة” الذين حضروا بلباس الشّهادة، و “عقبة بن نافع” الذي لمحتُه بصورة فوق عمامته لمسجده بالقيروان، و “ابن خلدون” الذي صادفته بريشته و محبرته يستعدّ لكتابة قانون اجتماعي جديد يبدأ بكلمة: الشّعب يريد ... كما أنّي استطيع أن أجزم لكم أني رأيت كلّ الأولياء الصّالحين، الذين تيقّنوا يومها في ذلك العرس، بأن الله قد استجاب لدعوتهم بأن يحفظ هذا البلد... و أنّي رأيت كلَّ المصلحين الذين ساهموا في بناء هذا الوطن، من “خير الدين” إلى ذلك الموظّف الذي يحمل شارة مذكور فيها أنّه يعمل في هيئة لا تخضع لوزارة الدّاخلية، و مع ذلك فهي تُنظّم انتخابات... مرورًا ب”علي بن غذاهم” و “الثعالبي” و “محمد علي” و “حشاد” و “بن عاشور” و غيرهم الذين لا أنساهم هنا، ولكن لكي لا أطيل عليكم أتوقّف عن ذكرهم ... كذلك رأيت يومها شهداء الاستقلال فردًا فردًا، و شهداء الثّورات المقموعة عبر التّاريخ فردًا فردًا، و شهداء ثورة الكرامة التي كان لي شرف المشاركة فيها فردًا فردًا كذلك. كلّ أولائك و كامل هؤلاء كنتُ معهم ... نعم معهم... وابني معي لم انقطع عن توصيته في أذنه... و هو ماسكٌ بيدي...في الزحام المنظّم الذي ذكرتُ لكم... أن لا تنس بُنيَّ أن ترويِ الملحمةَ لابنكَ الذي تلد... و أن يرويها لابنه الذي يولد... جيلٌ بعد جيلٍ... و أنّ أبانا الذي معكَ... و أنت الذي معه... قد حضرنا عرس اسمه... انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.