تمثل مدينة صفاقس– كما هو معلوم – قطبا جوهريا في الجمهورية التونسية وذلك على عدة أصعدة سواء منها الاقتصادية أو التعليمية أو المعمارية أو الرياضية والثقافية … وهذا الحضور لم يكن وليد العصر الراهن بل انه كان نتيجة لتاريخ طويل جسدته سواعد وعقول هذه المدينة التي عرف عنها الكفاح المستميت ضد المستعمر أو التقديس المتواصل للعمل إيمانا بان التقدم ليس بهدية بل انه نتيجة حتمية لنمط الحضور والعلاقات داخل النسيج الاجتماعي ولحجم التضحيات الضرورية لسكانها . غير أن المفارقة الغريبة في كل ذلك تتمثل في السلطة المركزية ولطبيعة نظرتها للجهة وخاصة لجملة ما تخصصه من اعتمادات تخص التنمية وتعبر عن اعتراف بالجميل لسكانها سواء القاطنين بها أو لمن ينزح إليها أو من أجبرته ظروف العمل على الإقامة بها . في الواقع هذا التذكير يجب أن يفهمه الجميع على انه من خارج الجهويات التي ولى عهدها ويجب أن تقبر للأبد لأنها لا تقود إلا إلى الفوضى . كلام كهذا أصبح التصريح به ضرورة قصوى لا لشيء إلا لان الوقت قد حان لإكرام هذه المدينة . فمنذ عهد بورقيبة والجهة تعاني المصائب الكبرى حيث أن ولاية صفاقس من أكثر الولايات دفعا للضرائب إن لم تكن أكثرها إطلاقا ولكن ما كانت تعطيه السلطة المركزية لا يفي بالحاجة بتاتا فغابت المشاريع – إلا تلك التي يتكفل بها أبناؤها – بل إن الطامة الكبرى امتدت حتى نحو الإطار السياسي فنادرا ما تمثل الجهة بسياسيين في وزارات كبرى .إضافة إلى كل ذلك تركزت نظرة للمدينة لا تخرجها من اعتبارها رقما اقتصاديا ودواليب عمل فحسب فكان غياب الترفيه عقابا مؤلما تزامن مع تلويث المدينة دون رؤية واضحة تعترف بحق السكان في البيئة السليمة . ولقد تواصل هذا الوضع في عهد المخلوع إلى درجة النقمة على المدينة .غابت المشاريع الكبرى والتي تليق بصفاقس كقطب متعدد الاختصاصات إلى درجة الاستبلاه لوعي المواطنين . … أمثلة كثيرة تهاون فيها المخلوع بمعية أزلامه باستحقاقات الولاية . ولئن كان الحديث عن ذلك يعتبر جريمة كبرى سابقا فانه من المفروض وبعد قيام الثورة التصريح العلني بذلك . فماذا غنمت هذه الولاية من الثورة إذن ؟ إن المكسب الجديد هو مواصلة التهميش فحسب . صفر من المشاريع الحقيقية تحت الصفر في مستوى البنية التحتية .محاولات قليلة قام بها أبناء الجهة وذلك لضمان الحد الأدنى من العيش .في مستوى المشاريع الرياضية مازالت الجهة تعتمد على ملعب تم تشييده في عهد الاستعمار انه ملعب الطيب المهيري والذي تتسع طاقة استيعابه القصوى 11000 متفرج ولمدينة أرقام سكانها الحقيقية تجاوزت المليون ونصف ساكن . في ذات السياق القاعة المؤهلة حقا لرياضة القاعات هي قاعة الرائد البجاوي أما الأخرى فإنها لا تتماشى إلا ومقابلات الشبان ؟ المسبح حدّث ولا حرج فهو مغلق أكثر بكثير من استقباله لرواد هذه الرياضة أو الهواية المتنفس . غابت المسالك الصحية رغم أهميتها . إن ما يجب أن يتحقق لا يقف عند حدود الوعود فقد ملّتها الآذان إلى حد المرض . من المفروض استغلال تقديم مدينة صفاقس ترشحها لاحتضان العاب البحر الأبيض المتوسط وأن لا يبقى مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي أو الإيهام بالعناية . قطاع آخر يعيش الويلات هو قطاع الثقافة . فقد تم تهميش دور الثقافة مقارنة بما يجب أن يتحقق فعليا . المسرح البلدي لا زال يذكرنا بعهد الاستعمار وحتى تجهيزاته تئن بفعل القدم . المهرجانات لا ترقى في ميزانيتها وبرامجها إلى تاريخ و عراقة عاصمة الجنوب . سور المدينة العتيقة – وهو الوحيد الكامل – مهدد في أمكنة عديدة بالسقوط خاصة وان الترميمات تسير بخطى بطيئة وغريبة . نفس ما قيل عن الميدان الرياضي يقال كذلك في الميدان الثقافي حيث ضرورة التوظيف الجيد للموافقة على إعلان المدينة عاصمة للثقافة العربية كي لا يبقى هذا الملف هو الآخر لمجرد الاستهلاك . قطاع النقل البري والبحري والجوي لم يعد يفي بالغرض ولا نعتقد أن الخدمات بمثل هذه التجهيزات والفضاءات تسمح بالعيش الكريم أو العمل الناجع .حالة رديئة جدا للطرقات بل تكاد الحفر أن تكون الأكثر حضورا مقارنة بالطرق المعبدة رغم تزايد عدد السيارات ونقص محطات الإيواء وتعطب إشارات المرور ونوم التنوير العمومي. كثيرة إذن هي النقائص من ذلك أن المصالحة مع البحر لم تتحقق وحتى مشروع تبرورة لم تسعى حكومات ما بعد الثورة للاهتمام به حقا . المصالحة مع البيئة هي مجرد حلم فجبال الفوسفوجيبس والسياب وفضلات المسلخ البلدي تعتبر قريبة جدا من وسط المدينة بل إنها وسط التجمعات السكنية . المقام لا يتسع للتذكير بالتهميش لمدينة تحتوي على كليات عديدة ولكن دون مكتبات جامعية تسمح للطلبة ورجال التعليم بالمصالحة مع الكتب الورقية والالكترونية .لئن تعودنا سابقا على التناسي فان الواقع الراهن يستوجب رد الجميل . كلمة أخيرة لنواب مدينة صفاقس في المجلس الوطني التأسيسي أين الوعود الانتخابية التي جعلت أبناء الجهة يصوّتون لكم ؟ أليس من الضروري تبليغ أصوات المتساكنين والذين يطالبون بالتنمية الحقيقية ؟