بعد 23 أكتوبر منح الشعب صوته لفائدة القوى التي اعتبرها في سياق الثورة و تتجه به نحو تحقيق أهدافها و من ضمنها محاسبة الأزلام لما ألحقوه من ضرر بالعباد و البلاد فكانت العدالة الانتقالية أحد العناوين الأبرز للحملات الانتخابية التي تراوحت وعودها بين تحقيق التنمية و الرفاه و بناء دولة الحريات و القضاء على إمكانية الارتداد للدكتاتورية عبر تفعيل جميع آليات العدالة الانتقالية. كانت الفرصة مواتية من اجل تحقيق قدر كبيرمن النجاح في هذا الاتّجاه و لكن التردد و تغلغل بعض رموز النظام السابق داخل دوائر قرار الأحزاب الحاكمة حالت دون انجاز الوعود أو حتى الانطلاق في انجازها. و استرجعت قوى النظام السابق أنفاسها و اتحدت من أجل إسقاط النهضة يساعدها في ذلك الزخم النفسي الذي حصّلته بنجاح الانقلاب في مصر. و لكن اكتشف الجميع ان ميزان القوى في تونس أصبح لا يسمح لأيّ طرف بتحقيق نصر بائن على خصومه و انطلقت حسابات الربح و الخسارة . و بتقدم الأحداث في مصر بشكل دراماتيكي ايقن المجتمع الدولي ان الانقلاب في مصر غير قابل للاستمرار طويلا في السيطرة على الوضع المصري مما يفتح الباب في بلادهم على احتمالات غير محسوبة ممّا جعل الغرب يضغط في اتجاه تجنيب تونس نفس المسار المصري و ذلك بالدفع نحو تحالف حاكم بين النداء و النهضة تكون فيه للدولة العميقة المتحالفة تاريخيا مع الغرب اليد الطولى . خيار وجد فيه الشيخ حلا مقبولا و هو يمنّي النفس ان تقدّم الانتخابات نتائج تعدّل من هذا الخيار في اتجاه تحالف تكون النهضة بوضع افضل من النداء فيه . بل و لعله يحبّذ ان يكون التحالف مع مرجان و جغام و القروي و غيرهم من الدساترة كبديل للنداء و في خُلده انهم اقرب للقبول بدور ثانوي في التحالف المحتمل بينهم . وسط كل هذا أصبح قانون العزل السياسي خارج حسابات النهضة منذ التوقيع على تفاهمات الحوار الوطني و كلّما تقدّمت النهضة في انجاز استحقاقات هذا الاتفاق كلم ضيّقت من فرص الارتداد الى خيارات أخرى لتجد نفسها مُجبرة على الاستمرار في ما اختارته بإرادة بالأمس و تواصله مُرغمة اليوم. اليوم ما هو متاح للتونسيين لتجنّب أن يقادوا دون إرادة منهم لتوافقات مشبوهة تسمح لبقايا النظام بالعودة لمقاعدهم و حتى عاداتهم من فساد و إفساد هو الضغط المتواصل عبر منظمات المجتمع المدني و التحركات الميدانية من اجل تفعيل العدالة الانتقالية و البدء الفوري في كشف أرشيف البوليس السياسي و تناول ملفات الفساد المالي بجدية اكبر مما سيعيد أزلام النظام إلى مربع الدفاع عن النفس و يحدّ من إمكانيات تأثيرهم في الانتخابات القادمة .