مرّت سنة على ثورة الشعب التونسي ، ثورة كانت ذات ( ماركة: عالمي مسجّل ) أبهرت الأعداء قبل الأصدقاء وتحدّت تكهّنات و حسابات أعتى المخابرات الغربية قبل البوليس السياسي للمخلوع وزبانيته، ثورة كانت منهاجا و خارطة طريق لكلّ الشعوب العربيّة ... وهذه الثورة أحلى ما فيها أنّها كانت عفويّة المولد ، شعبية التحرّك و جماعيّة الإنتصار .لا دخل و لا فضل فيها لا للأحزاب و لا للتنظيمات والمنظّمات و لا للزعامات و القيادت ، هي ثورة انطلقت شرارتها و ذكت بين طبقات الشعب المحروم ،الكادح ، البائس و المهمّش طيلة عقود من الزّمن و الذي أهملته كل الأجندات التي تتشدّق الآن بشعاراتها الجوفاء و تناسته كلّ مطالب الأحزاب التي كانت تدّعي النّضال و لم تعايشه هذه القامات التي تتطاول اليوم من المنابر الحوارية الإعلامية و تعزف سمفونياتها المستهلكة و المهترئة في الثورية و تحدّي النظام المدحورو تظهر قربها من جماهير الشعب و تطوّعها للكلام بلسانه ،،، جاءت المرحلة الثانية من الثورة و هي مرحلة بناء الدولة و مؤسّساتها ، كذلك مرّة أخرى يضرب الشعب التونسي مع الإبهار موعدا جديداو يتخطّاها في انتخابات شهد القاصي و الداني ، الداخل و الخارج على شفافيتها ، صدقيّتها و سلميّة مسارها . و بناء عليه فإنّ الجدل القائم الآن و الذي يملأ الصّحف و المجلاّت و يصدع الآذان من ميركروفونات الإذاعات و التلفزات والمهاترات التي عمّت كثيرا من المنابر و الحلقات التي عبثا ينفخ في أُطرها جماعات من اليسار المتطرّف و العلمانيين و اللاّئيكيين إنّما هو فقاقيع سيكون الزّمن كفيلا باندثارها كما اندثر و اندحر كلّ جسم غريب على هذا الشعب العريق و الأصيل ديانة و هويّة و التاريخ خير مجيب عليهم إن قرأوه جيّدا و استوعبوا دروسه .. و لقد أثبتوا إفلاسهم و عقم تنظيراتهم حديثا مرّتين ، الأولى حينما باغتهم الشعب بثورة من صنعه و خلوّها من تنظيراتهم العاجيّة شعاراتهم الخياليّة ... و الثانية حين تركهم هذا الشعب نفسه في تسلّل واضح وقت الإنتخابات و سفّه أحلامهم و كذّب حساباتهم الواهية و رهاناتهم التي كانت تقدّر أن هذا الشعب الأبيّ ستّة عقود من التجهيل و الإقصاء و التهميش و التغريب كانت كافية ليرتمي في أحضان هذا اليسار البائس. و ليعلموا أنّ هذا الشعب لهم بالمرصاد مهما انزووا وراء مجموعات هنا أو هناك و أنّهم لن يستطيعوا جرّه إلى حلقات الفراغ التي يرسمونها و يطبّلون لترويجها مهما حاولوا إغراءه بالمال اعتمادا على خصاصته أو حاولوا إغراءه بسفه أحلامهم و ترّهات شعاراتهم البرّاقة . أمّا الآخر الذي انجرّ وراء هذه التكتيكات لبثّ الإحباط و اليأس بين الشعب و السعي إلى التشكيك االمقصود في كلّ تحرّكات الدولة القائمة فهو الإعلام في جزء كبير منه ،،، هذه المؤسّسات الإعلامية سواء الخاصّة أو العموميّة و التي اتّخذت من الحريّة ذريعة لتبرّر ما تقوم به يجب أن تعلم أنّ مرجعيّتها الأساسية هي الشعب و ما اختاره الشعب من خلال الانتخابات وأقنعته برامجه و ارتضى توجّهاته . و ما هذه التحرّكات الشعبيّة أما م مقرّات الإعلام إلاّ دليل واضح على غضب الشعب من سير الإعلام و خطإ مساره ، و لذا بات من الضروري أن يقلع هذا الإعلام و الجماعة المحسوبين عليه عن الممارسات الغالطة و أن يفيؤا إلى رغبة غالبية الشعب و أن يمارسوا حرّيتهم في دائرة الشفافية و المصداقيّة . كذلك على السّابحين ضدّ التيّار من بقايا التجمّع المنحلّ و أباطرة الثرواة المشبوهة و مخلوعي السلطة البائدة عليهم أن يفهموا أنّهم باوا في التوقيت الخطأ و أن الشعب قال فيهم كلمته و أنّه من المستحيل لهم أن يحلموا بوضع كالذي كانوا ينعمون به في العهد البائد و من المجدي لهم إعلان توبتهم و إرجاع الحقوق إلى أصحابها و طلب العفو من الشعب و التكفير عن جرائمهم و ان ينصهروا في المجتمع بلا عقد و لا مركّبات تفوّق و امتياز ... ختاما أقول أن تونس الحضارة و التاريخ و الهويّة و الدين و العادات و التقاليد و الأعراف قد تركن حينا من الزّمن و تخبو بعامل القهر و التسلّط و قبضة الحديد و النّار لكنها شعلة لا تنطفي و صخرة يتحطّم عندها كلّ فكر دخيل و كلّ تنظيرات مستحدثة و كل قالب مستورد يريد أصحابه أن يحشروه حتما سيكون جسما غريبا يلفظه الشعب و يزدريه و تبقى تونس عصيّة على أهل هذا التوجّه المفلس ، تونس عصيّة إن كنتم تعقلون ...