تدخل تونس، مع انطلاق مؤسسات الدولة في العمل في إطار الجمهورية الثانية، مرحلة جديدة حساسة للغاية تتميز بتفاقم مؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبوضع اجتماعي متأثر بما يدور حوله وهو في حالة استعداد لتحركات من شأنها تعطيل الإنتاج وخلق الثروة، من جهة، وتأزم الوضع الإقليمي والدولي جراء تقليات الأسواق المالية والاقتصادية في العالم إلى جانب تفاقم ظاهرة الارهاب والتهريب، من جهة ثانية. وفي إطار التحكم في الوضع الداخلي وتركيز تنمية بشرية واقتصادية على أسس متينة يمكن أن تقبل بها كل مكونات المجتمع المدني للنهوض بالبلاد، يتطلب الأمر إعادة النظر في منوال التنمية الحالي يبدأ بتغيير نمط العيش إلى الأفضل بداية من المستوى المحلي إلى المستوى الجهوي بمساندة وتأطير من مؤسسات الدولة على المستوى الوطني. وفيما يلي تتراءى لنا هيكلة منوال التنمية المستقبلي: 1) التنمية البشرية على المستوى المحلي من خلال التخفيض من نسبة الأمية التي تصل إلى حدود 36 المائة ببعض الجهات مقابل 18 بالمائة على الصعيد الوطني وتحسين مختلف مكونات مؤشرات التنمية البشرية في المناطق الداخلية المعزولة (الصحة والتعليم وموارد الرزق). يمكن أن تتحقق مثل هذه الأهداف بتضافر المجهودات الوطنية والجهوية من خلال مشاريع البنية الأساسية وتركيز برامج التنمية المحلية عبر تكثيف عمل الحضائر ضدّ الانجراف و/أو التصحّر و/أو التنمية الغابية وتسهيل بعث المشاريع الصغرى (micro projets) بتمويلات ميسرة قصد خلق موارد رزق من جهة ومواطن شغل من جهة ثانية حتى وإن كانت ظرفية. 2) التنمية المتكاملة بالجهات: من خلال تعبئة كل الطاقات الموجودة والاستغلال الأفضل للميزات التفاضلية المتوفرة بكل جهة والإسراع بوضع حيّز التنفيذ ما جاء بالدستور من حيث اللامركزية واللامحورية لتمكين الجهات من اتخاذ القرارات المناسبة لاستحثاث نسق النموّ ودعم القدرة التنافسية للجهات. ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف قبل إعداد مخطط مديري وطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية (Un Schéma national de Développement Economique et Social ( يستهدف كل الجهات لإبراز الميزات التفاضلية، من جهة، وتحديد التوجه التنموي الاقتصادي والاجتماعي على مستوى المناطق اقتصادية تنموية تشمل مجموعة من الولايات (Zone économique de Développement) و/أو مجموعة من المعتمديات و/أو على مستوى كل معتمدية، من جهة ثانية. مع الإشارة إلى أنه يمكن، في هذا المجال، استغلال الخارطة الفلاحية المنجزة خلال الفترة السابقة لسنة 2011. هذا ويجب أن ترتكز التنمية الجهوية على إلحاق الشريط الحدودي (من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي) بنظيره الشرقي للبلاد (من بنزرت إلى جرجيس) وذلك من حيث التنمية وتحسين ظروف العيش خاصة من خلال البنى الأساسية من طرقات وعمران اقتصادي وسكنى وخدماتي متكامل وعصري. 3) الدور الوطني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية: يأتي في هذا المستوى دور الهياكل الدستورية والإدارية على مستوى وطني لضبط السياسات والتوجهات الكبرى والبرامج الوطنية لتثبيت مقومات التنمية الشاملة، بالتنسيق مع المجتمع المدني وجميع القوى الحية بالبلاد.