إفتتح رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد الدورة الأولى لمنتدى تونس الاستثمار تحت عنوان: سياسات الإصلاح الاقتصادي بين الضرورة والمنهجيّةحيث القى كلمة قال فيها : نعتقد أن هناك اختلاف في أن وضع البلاد يحتاج إلى إصلاحات عميقة وجذريّة جلّها قد تمّ تشخيصه وحصره، وتبقى روزنامة الأولويّات والصّيغ في تنفيذها متّصلة بالرؤية على المدى المتوسّط. وعلى هذا الأساس فقد ارتأت الحكومات المتعاقبة الانطلاق في تنفيذ بعض الإصلاحات بمساعدات ومساندة فنيّة دوليّة، بلغت مراحل متفاوتة من الإنجاز، وقد كنّا عبّرنا عن التزامنا بمواصلة تنفيذها حسب المناهج المتّفق عليها. وقد لا يتّسع المجال لاستعراضها كلّها لكن اسمحوا لي بذكر ابرزها : وضع إطار قانوني ومؤسّساتي جديد للشراكة بين القطاعين العامّ والخاصّ تتمّة لنظام اللزمات والصفقات العموميّة، هدفه دفع نسق إنجاز المشاريع العموميّة الهامّة والمهيكلة وفق قاعدة تقاسم المخاطر بين الشركاء، وذلك قصد تلبية حاجة البلاد الملحّة لتوازن جهوي ونموّ مندمج. هيكلة البنوك العموميّة وتحسين آليّات التمويل العمومي للاقتصاد كركائز هامّة لدعم الأسس الماليّة للاقتصاد والمشاريع والمؤسّسات الخاصّة وتنشيط الاستثمار المحلّي والأجنبي. وتكتسي هذه الهيكلة أهميّة بالغة لأنّها لن تتوقف عند البنوك المعنيّة بل ستمتدّ إلى عديد مكوّنات منظومة التمويل وستكون بمثابة القاطرة التي ستجرّ إصلاحات أخرى ببعض القطاعات الاقتصاديّة وعدد من المؤسّسات العموميّة. إصلاح النظام الجبائي والإدارة المعنيّة به والأساليب المعتمدة في تكريسه، وذلك بالاستئناس بالنّظم والأساليب الدوليّة المكرّسة لمبادئ العدالة والشفافيّة، تضمن المساواة بين التونسيّين أمام الواجب الجبائي. إصلاح الماليّة العموميّة من حيث البرمجة والتصرّف والمراقبة والتقييم عبر برنامج التصرّف في الميزانيّة حسب الأهداف وهي مقاربة جديدة للتصرّف في المال العمومي تعتمد النجاعة والنتائج بدلا عن الوسائل وتستند للخيارات الاستراتيجيّة في تحديد البرامج والأولويّات، بما ييسّر عمليّة التقييم والمتابعة لتصحيح المسارات عند الاقتضاء. إصلاحات لتبسيط الإجراءات الإداريّة وخاصّة المتّصلة بالمعاملات الاقتصاديّة والاستثمار، وذلك ضمن برنامج "المقصلة الإجرائيّة Guillotine Réglementaire الذي يغطي أكثر من 1000 إجراء، خضع جزء منها لتقييم دقيق لاتّخاذ القرار المناسب في شأنها سواء بالمراجعة أو بالحذف التامّ. إنّها عيّنة من مجموعة الإصلاحات التي انطلقنا في تنفيذها وسوف تكون لكم الفرصة خلال هذا اللّقاء لاستعراضها ومناقشتها. كما ستتلوها إصلاحات أخرى ستخضع للتشخيص تباعا حسب ما ستفرزه أشغال الوثيقة التوجيهيّة للمخطط. وأذكر منها الإصلاحات القطاعيّة التي ستشمل بالأولويّة الاستثمار والتربية والتعليم العالي والصحّة والتغطية الاجتماعية والدّعم والضمان الاجتماعي والتقاعد. وهي إصلاحات عميقة وحسّاسة، تستوجب زيادة على التشخيص الدّقيق وضوح الرؤى، من جهة – لامتدادها على أجيال وإمكانيّات هامّة – وربّما تضحيّات من البعض من جهة أخرى، باعتبار ثقل النقائص والمشاكل والتراكمات التي شهدتها هذه المجالات وخطورة انعكاسات عجزها وضعفها على الأفراد والمجموعة الوطنيّة وحتى على الاستقرار الاجتماعي والوطني. كما لا يخفى عليكم أن المضي في سياسة انفتاح الاقتصاد التونسي على محيطه الاقليمي والدولي وتفعيل الشراكات الجديدة مع البلدان والمجموعات الاقتصادية يتطلّب جملة من الإصلاحات القطاعيّة والأفقيّة لاكساب الاقتصاد المناعة اللازمة وتأهيله لمنافسة الاقتصاديات العالميّة في استقطاب رؤوس الأموال وفرص الاستثمار والتسويق.