وتتواصل سياسة ذر الرماد في العيون… كل وسائل الإعلام تتحدث عن انطلاق الحوار المجتمعي حول إصلاح المنظومة التربوية الموضوع الأكثر حرقة على الساحة الوطنية والذي أصبح يمثل هاجس الجميع ويعتبر من أولى أولوياتهم… وعلى حين غرة وبين عشية وضحاها يتم جمع الإطار التربوي بكافة أنحاء البلاد معلمين وأساتذة في فضاءات غير مهيأة لمثل هذا الغرض وهو ما يدل على امتهان للإطار التربوي وخاصة داخل المدارس الابتدائية التي تفتقد لفضاءات مخصصة لعقد اجتماعات بذلك الحجم وفي ظروف مزرية… ثم يتم تقديم أسئلة محددة مسبقا من طرف الوزارة تهدف من خلاله إلى توجيه الحوار والنقاش في إطار معين.. أي في المربع الذي تريد الوزارة التحرك داخله… ويتم يتم تعطيل السير العادي للدروس….ثم يفرض على المربين العمل لمدة 5 ساعات متواصلة… في ورشات متعددة … ليجد الجميع أنفسهم في حيرة من هذه الطريقة الفاشلة في تنظيم حوار بهذه الأهمية والخطورة مع أحد أهم الركائز الأساسية للعملية التربوية ألا وهو المربي؟؟؟ ثم إن السؤال الذي أرق الجميع هو أين مشروع الحكومة والوزارة في الغرض؟؟؟ ألم يكن أيضا من المفيد عرض مشروع الحكومة في الغرض للنقاش والتشاور من طرف المربين؟؟؟ أم أن هذه الحكومة ليس لها تصور ولا برنامج إصلاح؟؟؟ أم أن الحكومة لا تريد الكشف عن برنامجها وتصوراتها حتى تمرر تلك التصورات والمشاريع على أنها نابعة من مقترحات كل المشاركين في هذا الحوار؟؟؟ لقد كان من المفترض أن تقدم الوزارة ..أي الحكومة.. أي الحزب الحاكم أو الائتلاف الحاكم تصوره أيضا للنقاش… لأنه بعد هذه المسرحية التراجيدية لما سمي بالحوار أو الاستشارة يمكن للوزارة أن تقدم تصورها الخاص وتمرره وتفرضه على الجميع تحت غطاء تشريكها لجميع الأطراف وأنه جاء تعبيرا "صادقا" عن مقترحات كل المتدخلين والمتحاورين… إن الطريقة المتسرعة والارتجالية التي تتم خلالها هذه العملية برمتها" أي هذا الحوار" أكبر دليل على استهتار سلطة الإشراف بمجمل العملية وأنها فقط تحاول استبلاه الجميع وإيهامهم بأن الأمر محل دراسة ونظر وبشكل تشاركي… لكن الحقيقة غير ذلك…فما هكذا يتم إصلاح منظومة تربوية متهالكة وصلت حد الإفلاس والانهيار … بتخصيص بضعة أيام موزعة بين التلاميذ والمربين والأولياء بمعدل ساعة أو بضع ساعات لكل جهة؟؟؟ إن مثل هذه الممارسات التي خبرها التونسيون في الماضي زمن حكم نظام الفساد السابق "مثل الاستشارة الوطنية حول التشغيل" والحوار "الوطني حول الشباب"… كلها أساليب أصبحت معلومة الأهداف من القاصي والداني وما الغرض منها إلا كسب الوقت وإيهام الجميع بأن العمل جار على قدم وساق من أجل الإصلاح … لكن الحقيقة من كل ما يحدث هو إفراغ هذا الاستحقاق الوطني من محتواه وتمرير مشاريع جاهزة لن تزيد الأمور إلا تدهورا مع توظيف ما يحدث إعلاميا وإبرازه على أنه إنجاز كبير في حد ذاته لهذه الحكومة وللحزب الحاكم كما دأب على ذلك نظام المخلوع الذي جعل الناس يعيشون في الوهم لما يقارب الربع قرن ليفيقوا ذات يوم على حجم الخديعة وعمق المأساة وفداحة الكارثة التي حلت بهم… إن هؤلاء الذين لم يعرفوا في حياتهم سوى أسلوب الكذب والتزييف والتسويف لن ينجحوا في القيام بعمل جدي إن هم لم يتخلوا فعليا عن ذلك الأسلوب ويكفوا عن سياسة اللف والدوران ويقروا بشكل قاطع بعمق المشاكل التي تعاني منها كل المجالات في البلاد وعلى رأسها التربية والتعليم التي عانت طيلة عقود من سياسات التهميش والتغريب والتفليس ويعقدوا العزم وبكل جدية ومصداقية ومسؤولية على الشروع في القيام بإصلاحات حقيقية بتبصر ووعي وإصرار وجدية… أما كل الذي نراه اليوم وسنراه ونسمعه غدا عبر وسائل الإعلام فما هو إلا حلقة جديدة في المسلسل الطويل لسياسات استمرار الارتجال والفساد والترقيع والتمييع التي غرقت فيها البلاد طيلة العقود الماضية والتي يبدو أننا لم نتخلص منها إلى اليوم….وأن هذه الحكومة الحالية مصرة على المضي فيها مهما كانت نتائجها وخيمة على الوطن … لأن همها الأساسي اليوم إعادة إحكام قبضتها على الحكم وإعادة الشعب إلى بيت الطاعة …وآخر همها محاربة الفساد ومحاسبة المفسدين وإصلاح ما تم تدميره خلال العقود الماضية بأيدي عصابات المنظومة الحاكمة السابقة… تنويه : ما ينشر في ركن الراي الاخر لا يلزم غير كاتبه