بالأمس لما كان حكام اليوم مجرد "نشطاء سياسيين" – (الكثير منهم متطفل على السياسة) – كانوا يتفننون في المزايدة على بعضهم البعض.. ويتملقون الشعب… ويعدونه بالازدهار والرفاهية والحرية والكرامة .. كانوا أينما حلوا يغدقون على المواطنين ويقيمون الحفلات ويوزعون الأموال والروز بالفاكية وعلب السجائر… كانو يوفرون مصروف الجيب والمساعدات المالية والعينية.. كانوا يطبطبون على ظهر المواطن ويحتضنونه ويقبلون جبينه… ووصل بهم الأمر حد إلقاء التحايا على السفن والفلائك والأشجار والعصافير. كانو يتذللون للمواطن ويعطونه الحق في كل ما يقول… كان الجميع يخطب ود المواطن … وانتهت الفترة الانتقالية… ومرت الحملة الانتخابية … وفاز من فاز وانهزم من انهزم… عندها خرج المنتصرون مزهوين منتفخين كالديكة… لقد فزنا لأننا الأفضل .. إننا نستحق فوزنا لأننا أصحاب برنامج ممتاز… ولأن الآخرين فاشلون ولم يخففوا للشعب شيئا مما قدموه من وعود… فرح الكثيرون وهللوا وزمروا لساكن قرطاج الجديد صاحب الخبرة والحنكة والتجربة التي تناهز القرن… لقد انتهى عهد الطراطير وجاء عهد المغاوير… وذهب الجرذ وجاء الأسد… إننا تخلصنا من الظلام والظلاميين… وفزنا والحداثة والبورقيبيين… ومرت المائة يوم… وبان الهزان والنفضان فاستمر الغليان والاحتقان… وبان ما كان خافيا من زور وبهتان… وأفاق الناس من الغفلة والتوهان… على الحقيقة التي لا تخفى عن العيان… لقد كنا ضحية أكبر عملية تزوير قادها أولئك المتحيلون بكل إتقان… منذ تلك اللحظة أصبح كل تحرك احتجاجي أو مطلب اجتماعي يعد تخريبا وبحثا عن إسقاط الدولة وتآمرا على السلطة … طويت ملفات المحاسبة والفساد.. وعاد أكبر عتاة السرقة والنهب والفساد إلى مناصبهم وأعمالهم دون عقاب… وعاد الإعلام يمجد السادة الجدد ويسب كل من يرفع مطالبا بحق أو شغل أو تنمية… وعادة العصا الغليظة لتضرب كل من يعبر عن سخطه وعم رضاه عما يحدث… لا مجال لاستضعاف الدولة؟؟؟ يالها من كلمة سحرية؟؟؟ يقولها الوزير الصيد المكشر عن أنيابه كما مدحته بذلك جريدة يوميّة ؟؟؟ أما استضعاف المواطن والشعب والطبقات المفقرة والمهمشة فإنه يعد فضيلة ومكرمة وإنجازا لهذه الحكومة الرخوة المهترئة المهزلة… وانبرى من كانا نسمعهم صباحا ومساء ويوم الأحد عبر وسائل الإعلام مدافعين عن مطالب المواطنين.. يطالبون باستخدام الرصاص الحي وسحب الجنسية ولم لا سحل كل من تخول له نفسه المتآمرة الخبيثة الغير وطنية المطالبة بحق أو الكشف عن مواطن الفساد أو المطالبة بالمحاسبة… لقد انتهى دورك أيها المواطن… وقمت باختيار من يحكمك .. فعد إلى العمل في صمت مهما كان أداء من اخترتهم .. حتى ولو مارسوا أبشع أنواع الدكتاتورية والفساد فلا يحق لك أن تعترض… فالأحزاب الحاكمة أمامها متسع من الوقت مداه خمس سنوات لتفعل خلالها ما تشاء.. تبيع البلد.. تغرقه بالديون… تطوي ملفات الفساد… تسلم الوطن هبة للأجنبي … يجوع من يجوع.. يفقر من يفقر.. كل ذلك لا يحق للمواطن أن يخوض فيه … دور المواطن اليوم فقط هو العمل والسكات… فالبلد في أزمة… والميزانية فارغة.. والدولة مهددة بالإفلاس.. وكأن المواطن هو المسؤول عن إفلاس الدولة؟؟؟ وكأن المواطن هو المسؤول عن فساد أجهزة الدولة؟؟ وكأن المواطن هو الذي لهف المليارات وهربها للخارج أو أخفاها بالداخل؟؟؟ وكأن المواطن هو المسؤول عن استباحة البلاد من طرف الإرهابيين والمخابرات والعصابات ؟؟؟ وكأن المواطن هو المسؤول عن الهدر وسوء التصرف واستغلال النفوذ؟؟؟ لا أبدا المواطن ليس مسؤولا عن كل هذا.. بل على العكس من ذلك هو كان دائما وأبدا الضحية.. فكل تلك المليارات المنهوبة كانت من عرق ذلك المواطن الذي كان يصدق ما كان يقال له عبر الإعلام من أكاذيب وأراجيف من حكومة اللصوص وأذرعها بكل طيبة …كم كذبوا عليك أيها المواطن الطيب الكريم … واليوم لم يبق لهؤلاء الوقحين المجرمين إلا أن يحملوك مرة أخرى كل تبعات ممارساتهم المجرمة وكذبهم ونفاقهم وغوايتهم… هم يريدون منك أن تعود إلى سالف عهدك.. مواطنا صامتا خائفا خانعا "خبزيست" كل ما يهمك هو الخبز ولا شيء عير الخبز… وماذا يهمك في البترول؟؟ وماذا يهمك في الملح؟؟؟ وما يهمك في أملاك الدولة؟؟ وما يهمك في الميزانية؟؟ وما يهمك في الفساد والتهريب والفتح البلاد للقواعد العسكرية الأجنبية؟؟؟ كل هذا لا يهمك… أنت اليوم تعمل فقط من أجل أن تخلق الثروة.. وهم يخططون لكي ينهبوا منك تلك الثرة كما فعل عرابهم السابق… ثم يأتي من يخلفهم فيفعل مثل فعلهم.. وهكذا.. خلقة مفرغة لا تنتهي… عند الانتخابات يقابلونكم بالورود والوعود .. وعندما يصلون إلى الحكم يحكمونكم بالحديد والنار ولا تلقون منهم إلا التوحش والجحود… فمتى نخرج من هذه الحلقة المفرغة؟؟ ويدرك الحاكم أن السيد هو المواطن.. وأن استضعاف المواطن خط أحمر ودكتاتورية وظلم وفساد… وأنه لا خير في دولة يستضعف مواطنها… كونوا عادلين صادقين شفافين مخلصين لهذا الشعب وهذا الوطن وسترون كيف يرفعكم الجميع فوق الهامات.. أما التهديد والوعيد من عند الرئيس "الصيد" وأمام ممثبي الشعب؟؟؟ الذين تحولوا إلى ممثلين لأحزابهم ومصالحهم على حساب الشعب ..فإنه لن يرهب المواطن الذي أخذ حريته بيده وليس منة لا من الصيد ولا من غيره… وما ردرد فعل المواطنين في العديد من مناطق البلاد إلى أكبر دليل على أن زمن التهديد والوعيد قد ولى ومضى وأن مارد الشعب قد خرج من قمقمه ولن يعود إلى الأسر مهما كانت تضحياته… فلتعد الحكومة إلى الجادة وتكف عن إشعال الحرائق التي ستحرق الأخضر واليابس ولكنها ستكون هي أول من يحترق.