بعد اطلاعه على الحركة القضائية لسنة 2015/2016 المعدّة من الهيئة الوقتية للقضاء العدلي كيفما تمّ نشرها بصفحتها الخاصة وببوابة وزارة العدل بتاريخ 07 أوت 2015 . وبعد وقوفه على مضامين الندوة الصحفية المنعقدة بدعوة من الهيئة الوقتية للقضاء العدلي بتاريخ 14 أوت 2015 وعلى تغطيتها بمختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة وخصوصا ما ورد من تصريحات على لسان رئيس الهيئة الوقتية وبعض أعضائها بشأن مواقف المرصد التونسي لاستقلال القضاء من الحركة القضائية الأخيرة. وبعد اطلاعه خصوصا على الدعوة الصادرة من رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي السيد خالد العياري إلى رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء بقصد تقديم إثباتات حول ما تحدّث عنه مؤخرا من وجود ضغوطات مسلطة على الهيئة وعلى ما أشار إليه من أنّ تصريحات المرصد تكتسي خطورة وتتطلب توضيحا، نافيا وجود ضغوطات على الهيئة من أيّة جهة كانت، إضافة إلى قوله أنّ تلك الاتهامات المجرّدة كانت لأغراض خاصة وخفيّة وأنّه سيقدّم استقالته في صورة ثبوت ادعاءات المرصد التونسي لاستقلال القضاء بوجود ضغوطات (راجع وكالة تونس افريقيا للأنباء – إذاعة جوهرة أف .أم بتاريخ 14 أوت 2015- صحيفة المغرب بتاريخ 15 أوت 2015 صفحة 11). وإذ يذكّر ببيانه الصادر قبل إعلان الحركة القضائية والمؤرخ في 06 أوت 2015 حول توجه هيئة القضاء العدلي إلى إقصاء السيدة رجاء الشواشي من رئاسة المحكمة الابتدائية بتونس وما أشير إليه بالبيان المذكور من " أنّ الظروف الحافّة بالنقلة المقترحة تؤكد ما راج في بعض أوساط القضاة من رغبة جهات سياسية نافذة في إزاحة رئيسة المحكمة الابتدائية بتونس ووكيل الجمهورية لديها – بتعاون مع أطراف داخل الهيئة من ضمن المعينين بصفاتهم – وذلك بغرض التأثير على القرارات القضائية والمساس من استقلالية المحكمة". أوّلا- يبرز تمسّك المرصد بأهمّ أهدافه الرامية إلى إخضاع النظام القضائي بمختلف مكوناته ومؤسساته إلى رقابة المجتمع المدني وخصوصا "رصد مختلف التهديدات والتأثيرات والضغوط والاعتداءات والانتهاكات مهما كان مصدرها الموجهة ضدّ المحاكم والهيئات والمؤسسات القضائية والملحقين القضائيين والقضاة عند أدائهم للعمل القضائي أو خارجه" (الفصل 5 من النظام الأساسي للمرصد التونسي لاستقلال القضاء) وعلى ذلك فإنّ متابعة عمل الهيئة الوقتية للقضاء العدلي يدخل في عداد الأهداف العامة والمعلنة للمرصد التونسي لاستقلال القضاء كجمعية مستقلة غير حكومية تنأى بنفسها عن الأغراض الخاصة والخفية. ثانيا- يذكّر بأنّ المرصد قد سعى منذ إنشاء الهيئة الوقتية للقضاء العدلي إلى مراقبة أعمالها ورصد توجهاتها والعمل على توطيد استقلاليتها وخوض التحركات الداعمة لها فضلا عن إصدار التقارير والمواقف المتعلقة بإعداد الحركة القضائية (انظر التقريرين الصادرين على التوالي في 26/09/2013 و 07/08/2014 ) وتوثيق ما يتصل بمواقف الهيئة وأنشطتها (انظر الكتاب الصادر عن المرصد تحت عنوان: الهيئة الوقتية للقضاء العدلي، التكوين وبداية التجربة – نوفمبر 2013)، واعتبارا لذلك فإنّ الملاحظات الأخيرة المتعلقة بالحركة القضائية لسنة 2015/2016 لا تخرج عن سياق التنبيه إلى الضغوطات الداخلية والخارجية التي تستهدف الهيئة اعتمادا على مصادر قضائية وغيرها بقصد ترسيخ الضمانات الضرورية لقضاء مستقل. ثالثا- يعبّر عن استغرابه من التصريحات الموجهة من رئيس الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وعدد من أعضائها ضد المرصد التونسي لاستقلال القضاء ورئيسه وكذلك من إضفاء الصبغة الشخصية على مسائل عامة تتعلق بحسن سير القضاء واحترام استقلاله زيادة على التلويح باتخاذ إجراءات قانونية على خلفية دعوة المرصد إلى "التصدّي لكل محاولات التدخّل في القضاء والانتقاص من الضمانات المكفولة للقضاة" و "التخلي عن التوجهات الهادفة إلى التحكم في إدارة المحاكم وارتهان استقلالها" (بيان المرصد في 06 أوت 2015). رابعا- يلاحظ استمرار الهيئة الوقتية للقضاء العدلي على انتهاج نفس الأسلوب في الردّ على منتقديها من ذلك تمسكها بخطاب مطلق ورفضها لكلّ انتقاد مهما كان مأتاه والانتقاص من الأراء المخالفة على غرار ما صدر عنها في الندوة الصحفية الأولى المنعقدة يوم 01 أكتوبر 2013 بهدف عرض نتائج أعمالها، حيث تحدّث رئيس الهيئة – في معرض ردّه على تقرير المرصد التونسي لاستقلال القضاء حول الحركة القضائية 2013/2014 – عن استقلالية الهيئة وأوضح أنّ استقلاليتها كانت تجاه كلّ من ينصّب نفسه رقيبا لأعمالها دون وجه وإزاء كلّ واحد (كذا) يحسب نفسه ثوريا ومناضلا أكثر من غيره ويسمح لنفسه بالتدخل (صحيفة الشروق 02 أكتوبر 2013) إضافة إلى تأكيد رئيس الهيئة على أنّ الانتقادات التي وجّهت لها ليس لها أيّة ركيزة موضوعية نافيا وجود أيّة ضغوط من قبل وزارة العدل (صحيفة التونسية 02 أكتوبر 2013) وهي تصريحات لا تختلف في مضمونها عن الاتهامات الأخيرة. خامسا- يؤكّد تمسّكه بأن إقرار نقلة السيدة رجاء الشواشي – دون الإعلام المسبق عن شغور وظيفتها كرئيسة للمحكمة الابتدائية بتونس – يتضمّن مساسا بمقتضيات الشفافية وشروط الاستقلالية التي تستوجب احترام قائمة الشغورات الوظيفية والتقييم المهني النزيه للقاضي ومراعاة المعايير المعلنة لإعداد الحركة القضائية كالكفاءة والنزاهة، وهو ما ينسحب كذلك على عدد من الوضعيات الأخرى التي أثارت تساؤلات بعد إقرار الحركة القضائية الأخيرة. سادسا- يؤكد تمسّكه بما تضمّنه البيان الصادر عنه في 06 أوت 2015 وما ورد على لسان رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء بشأن الضغوطات السياسية التي أدّت إلى إزاحة رئيسة المحكمة الابتدائية بتونس وكذلك محاولة إقصاء وكيل الجمهورية لدى نفس المحكمة. كما يذكّر بما سبق التنبيه إليه من محاولة أحد وزراء العدل السابقين تنحية رئيسة المحكمة الابتدائية بنابل قصد تعويضها بأحد القضاة المقربين من وزير العدل وذلك بمناسبة النظر في الحركة القضائية لسنة 2013/2014 وهي من جملة الوقائع التي لم يقع البحث فيها أو التحقيق في ملابساتها إلى الآن. سابعا- يلاحظ تناقض الهيئة بشأن قرارها المتعلق بإقالة رئيسة المحكمة الابتدائية بتونس وذلك بقولها " أنّ الأمر تمّ في نطاق سعي الهيئة إلى تحسين الأداء القضائي وأنّ استبدالها لم يكن بسبب التقصير أو الخلل في أدائها الوظيفي بل مقتضيات العمل استوجبت ذلك" (صحيفة الشروق 15 أوت 2015 – صفحة 07) وهو ما يتنافى مع معايير استقلال القضاء الواجب اعتمادها في إجراء الحركة القضائية. ثامنا- يعبّر عن خيبة أمله من إقرار نقلة رئيسة المحكمة الابتدائية بتونس وعدم استجابة الهيئة الوقتية للقضاء العدلي إلى دعوة المرصد التونسي لاستقلال القضاء الرامية إلى مراجعة القرار المذكور ومراعاة الشفافية في إسناد الخطط الوظيفية. تاسعا- يمتنع من الدخول في أيّ جدل علنيّ يمكن أن يؤدّي إلى تبادل الاتهامات ومخالفة التقاليد القضائية والمساس من اعتبار القضاء ويحتفظ لنفسه بالصيغ التي يراها مناسبة لكشف التفاصيل المرتبطة بالضغوطات السياسية المذكورة. عاشرا- يدعو الهيئة الوقتية للقضاء العدلي إلى إعادة تقييم الحركة القضائية الأخيرة في ضوء الانتقادات الجدّية المثارة سواء من عموم القضاة أو الهياكل الممثلة لهم وغيرها من الجمعيات المعنية وذلك ترسيخا لممارسة تشاركيّة تعمل على ضمان مقومات استقلال القضاء وشفافية التعيينات القضائية. عن المرصد التونسي لاستقلال القضاء الرئيس أحمد الرحموني