منذ أيام تمرر إذاعة صفاقس مجموعة من الومضات الإشهارية في إطار مبادرة وزارة التربية الداعية بمساهمة المواطنين في ترميم وإصلاح المدارس الابتدائية…إنها حملة " طلبة = تسول " لفائدة المدارس الابتدائية… :" يا كريم متاع الله… المدارس راهي تاعبة… ويلزم تعاونوها… ؟؟؟ ومن بين من سمعتهم يشاركون في هذه الحملة الفنان صابر الرباعي… الذي يؤكد أنه سيزور مدرسته التي درس بها وأنه عاقد العزم على أن يساعدها وهو بذلك يطلب من كل الناس أن يفعلوا مثله؟؟" كثير من المواطنين يعتقدون أنهم بمساهمتهم في هذه الحملة يقومون بواجب نحو المدرسة التي تعلموا بها ونحو وطنهم وأبناء بلدهم وهذا شعور نبيل… ولكن..و بعد 60 سنة استقلال.. وبعد كل ذلك الحديث عن إنجازات حكومة الاستقلال وعن إنجازات حزب الدستور والتي لا يزالون يتشدقون بها إلى اليوم خاصة في مجال التعليم وبعد إنجازات صانع التغيير وصانع السابع من نوفمبر… الذي ظهر أنه له أنصارا وأتباعا لا يزالون يكنون له الولاء ويسيرون على نهجه إلى اليوم داخل الحكم وخارجه … ألا يحق لنا أن نستغرب من الحالة المزرية التي تردت إليها مدارسنا الابتدائية والحالة التعيسة التي أصبح عليها التعليم في بلدنا؟؟؟ وكيف أنه بعد كل تلك السنوات نرى مدارسنا وهي تعيش على الصدقات والطلبة والإحسان وكأننا في بلد يعيش تحت الاحتلال؟؟؟ والغريب أن ذلك الفاصل التمثيلي " لوزارة التربية" يتحدث عن ميزانية المدرسة… ويقول الممثل بالحرف الواحد :" قداش منها ميزانية المدرسة؟؟؟" … ولا أدري عن أي ميزانية يتحدثون؟؟؟ فهل للمدرسة الابتدائية في تونس ميزانية غير ما يتبقى من مداخيل الترسيم في بداية السنة الدراسية وكل قدير وقدرو مدارس ميزانية مضعضعة ببضع مئات من الدنانير (وهي الأغلبية) ومدارس بعشرات الملايين (خاصة بالأحياء الواقية) … تنزل ضمن صندوق جمعية العمل التنموي لتعيش عليها المدرسة كامل السنة الدراسية بما في ذلك حفل اختتام السنة الدراسية والجوائز… إن كانت الدولة تخصص ميزانية للمدارس فلتطلع الرأي العام على تلك الميزانية وعن قيمة الأموال المرصودة لها !!! أما أن تكذب عيني عينك لتغالط الأولياء والمواطنين وتبتزهم… فذلك قمة الاستخفاف خاصة من مسؤول سياسي في الحكم و من المسؤول الأول عن التربية والتعليم في البلد… إن هذه الحملة التي أطلقها جلول ليست إلا جزء من خطته الخبيثة في ضرب المدرسة وتعويمها والحط من قدرها وقيمتها… فنحن لم نر مؤسسة في البلاد تستجدي ميزانيتها وتستجدي تحسين بنيتها وتستجدي تجهيزاتها.. غير المدارس الابتدائية… جلول يسعى بكل ما لديه من دهاء وضغينة وحقد على القطاع ورجالاته كي يضرب صورة المربي و ينال من سمعته بتقديمه في صورة الجشع الأناني الذي لا يراعي لا مستقبل التلاميذ ولا الوضع المالي للبلاد … ومن ناحية أخرى يقدم نفسه على أنه صاحب رؤية إصلاحية … يطلق قرارات أحادية يقدمها على أنها إصلاحات… ثم يدعو لفتح المدارس لمدة شهر من أجل استقبال المواطنين وهو الذي يعلم علم اليقين مدى توتر العلاقة بين الأولياء و المربين نتيجة سياساته الخرقاء … ثم كيف يطلب من الولي الذي لم يجر ابنه امتحان النقلة وتحصل على دفتر أبيض أن يتبرع للمدرسة؟؟؟ ثم كيف يطلب من المديرين وعملة التربية التطوع لمدة شهر كامل وقطع عطلتهم الصيفية من أجل أن يكونوا على ذمة المتبرعين وهو يقوم من ناحية أخرى وفي عملية غادرة يقوم باقتطاع 20 يوما من مرتبات المديرين؟؟؟ أي منطق هذا؟؟؟ أي صفاقة هذه ؟؟؟ من أي طينة هو هذا الوزير؟؟ ثم كيف نطلب من المواطنين الذين يعانون أصلا من تدهور حالتهم الشرائية ومن ارتفاع الضرائب ومن غلاء المعيشة ومن انتشار البطالة ومن حالة الكساد التي يعاني منها الجميع أن يصرفوا أيضا على المدارس؟؟؟ إن تنصل السلطة من القيام بواجبها في تهيئة المؤسسات التربوية ورميها للكرة في ملعب المواطن المغلوب على أمره والمتعب والمنهك أصلا من الوضع الاقتصادي الصعب الذي يمر به الجميع إنما يهدف إلى تمرير مشروعها في التفويت في قطاع التعليم العمومي لفائدة القطاع الخاص .. فالدولة التي لا تستطيع أن تصرف على مؤسساتها التربوية إصلاحا وتهيئة وتجهيزا اليوم ستصرح غدا أنها لن تقدر على تحمل أعباء التعليم وستطلب من المواطن أن يساهم في تمويل التعليم بدفع أقساط ثلاثية أو شهرية للوزارة أو لفائدة المدرسة.. ثم شيئا فشيئا سيتم التخلص من المدرسة العمومية أو تهميشها لحساب المدارس الخاصة التي يمولها الأغنياء والتي ستكون نتائجها الأفضل بطبيعة الحال… وهكذا لن يحتكر الأغنياء وأصحاب الثروة في بلادنا المال والسلطة فقط وإنما سيحتكرون العلم أيضا….