تونس (وات- تحرير محمد صالح العبيدي)- تقف تونس اليوم أمام امتحان تاريخي واختبار جدي للانتقال إلى نظام ديمقراطي يضمن الحريات الأساسية، ويكرس الفصل الحقيقي بين السلطات، ويعيد إنتاج المنظومة الاقتصادية بما يجعلها متلائمة مع المطالب الاجتماعية التي نادت بها الثورة. وفي هذا الإطار تجد المجموعة الوطنية نفسها أمام تقاطعات متباينة تحمل أكثر من عنوان أولها طبيعة النظام الديمقراطي الذي تصبو إليه، والاستحقاقات الهامة التي تنتظرها. * وحول هذه النقاط وغيرها، حاورت وكالة تونس افريقيا للانباء أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة التونسية منصف وناس, الذي أوضح ان جميع المراحل والفترات الانتقالية يسودها عادة التوتر والاضطراب على غرار روسيا إبان سقوط النظام الشيوعي واسبانيا بعد وفاة الجنرال فرنكو ملاحظا ان الوضع التونسي لا يعد استثنائيا بل هو حالة عادية لاسيما وأن تونس عانت على امتداد خمس عقود من الكبت والقمع وشهدت تغييبا للتكوين والتدريب على ثقافة سياسية متنوعة. * ويرى وناس انه لا يمكن النجاح في المسار الديمقراطي دون ثقافة سياسية منفتحة تشجع المكونات السياسية على الحوار والتفاعل البيني الايجابي، وعلى قبول الاختلاف، مبينا أن الأجواء الحادة صلب الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي هي إفراز طبيعي وانعكاس واقعي لانعدام ثقافة ديمقراطية في البلاد. * وبخصوص التضخم الحزبي الذي عرفته تونس بعد الثورة، اعتبر منصف وناس ذلك "دلالة على رغبة كل مكونات المجتمع على التعبير.." مبينا انه من الطبيعي أن يتجاوز عدد الأحزاب السياسية المائة وربما ان يشهد هذا العدد تقلصا بعد انتخابات المجلس التأسيسي، على غرار ما سجلته جميع التجارب في مجال الانتقال الديمقراطي". * وهو يعتقد أن الاستحقاق الأبرز للأحزاب السياسية اليوم هو النجاح في انتخابات 23 أكتوبر المقبل التي تلقي بثقلها على تحركات الأحزاب السياسية الحريصة على تكثيف حضورها في كل الجهات، معتبرا أن عديد الأحزاب المكونة حديثا "تعيش نوعا من الارتباك في خطابها، نتيجة ضعف تموقعها داخل المشهد السياسي، وقصر إشعاعها على الصعيد الوطني". * وفي ما يتعلق بالمال السياسي ومصادر تمويل الأحزاب الذي أثار جدلا حادا في نقاشات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة فقد أكد أستاذ علم الاجتماع السياسي وجود أحزاب وجمعيات مستفيدة من المال السياسي مشيرا إلى "أن الأطراف الممولة معروفة على الصعيد الدولي وتتعامل بخلفيات إيديولوجية لتثبيت امتدادها في تونس التي تعيش حالة من الفراغ المؤسساتي ومن فقدان الشرعية لأي طرف سياسي". وعبر عن استغرابه من صمت الحكومة على هذا التمويل الأجنبي باعتبارها "الجهة الوحيدة التي تملك الإجابة حول سؤال المال السياسي ..." ملاحظا ان هذه الإجابة من شأنها ان تبعث على الطمأنينة على المستقبل. * وعن الأحداث التي عرفتها بعض الجهات في الفترة الأخيرة وما أبرزته من عودة العروشية لاحظ وناس " أنها كشفت عن عدم قدرة الأحزاب السياسية في تونس على استقطاب هذه الظاهرة باعتبار أن غالبيتها متمركز في المناطق الحضرية ..وتكاد تكون منعدمة الفاعلية في الأرياف والتجمعات السكنية الصغيرة". وأضاف أن غياب المشروع السياسي والثقافي وانعدام المشروع الاجتماعي في العهد السابق لإدماج هذه البنيات الاجتماعية داخل النسيج المدني، قد عطل بشكل كبير المسار التقدمي لتونس وساعد بالتالي على العودة إلى ثقافة العروشية والقبلية.