تونس (وات) - قال الأستاذ الجامعي بالمعهد العالي للتصرف بتونس، "إن تونس التي تفتقر إلى الموارد الطبيعية في حاجة اليوم إلى موارد جبائية مستديمة لضمان سير خدماتها العمومية والمساهمة في إنجاح العقد الاجتماعي الجديد الذي فرضته قوى الثورة". وشدد، في دراسة أعدها في إطار مبادرة "افكار التونسية" على ضرورة الانخراط في إصلاح منظومة التشريع الجبائي للحد من "تشعبها وتأثيراتها السلبية سواء على جهاز الإنتاج أو على الدولة". ونبه إلى خطر توحيد نسب الاداءات واعتماد نسب منخفضة ،مشيرا إلى ان ذلك قد يقلص موارد الدولة التي تحتاجها لاتخاذ الإصلاحات الشاملة وتحقيق التوافق الاجتماعي داعيا إلى ضرورة إرساء مقومات العدالة الجبائية التي تطالب بها المجموعة الوطنية. فالإصلاحات الجبائية، على حد قوله، "لا يمكن ان يتم إقرارها بين مجموعة من الخبراء صلب لجنة وزارية بل يجب ان تكون نتاجا لتفكير معمق وتشاركي" بما يمكن المواطنين من اختيار، بكل ديمقراطية، الموارد التي يرغبون في تخصيصها لمشاريعهم المشتركة التشغيل والتكوين والتقاعد وعدم المساواة والصحة والتنمية المستديمة. وبين ان الإشكال المطروح اليوم لايتعلق بالتخفيض في الاداءات أو الترفيع فيها بل في تحقيق العدالة الجبائية وتحسين توزيع الموارد وتبسيط الإجراءات وجعلها أكثر عدالة ووضوحا..." وقدم العلج في هذه الدراسة قراءة مقارنة بين مختلف البرامج التي قدمتها أبرز الأحزاب السياسية في انتخابات 23 اكتوبر 2011 في جزئها المتعلق بالإصلاحات الجبائية. ويستشف من خلال هذه قراءة "ان أيا من هذه البرامج لم يقدم حلولا فعلية للإشكاليات الأساسية للإصلاح ولاسيما الأرقام وهوامش التحرك في الميزانيات المتاحة وتأثيراتها المحتملة". وقال العلج "إن الأحزاب السياسية على غرار المسؤولين السياسيين تميل في كثير من الأحيان إلى الابتعاد قدر الإمكان عن المخاطر بإعلانها لمبادئ عامة وعدم التزامها بأهداف محددة". ولدى تطرقه إلى مسألة الإصلاح الجبائي أشار الجامعي إلى مبدئين أساسين يتعين أخذهما بعين الاعتبار: تحقيق العدالة الجبائية على مستوى الخصم من المورد "نفس الدخل، نفس الأداء" ومبدأ التدرج أي وضع نظام جبائي تكون فيه نسبة الأداء الموظفة على أصحاب الدخل العالي ارفع من تلك الموظفة على ذوي الدخل المتوسط أو المحدود. وتتركز الإجراءات الجبائية التي اقترحتها الأحزاب السياسية حول 4 محاور أساسية وهي "جباية المؤسسات والأشخاص الطبيعيين" و"الجباية غير المباشرة" و"الأداء على القيمة المضافة" وأخيرا "الحوكمة وتعصير النظام الجبائي". وأكد العلج أن "كل الإجراءات الواردة في هذه البرامج تتجه نحو التخفيف في الاداءات الجبائية الموظفة على المؤسسات والأشخاص الطبيعيين دون التطرق إلى مسألة إعادة النظر في كيفية احتساب الأداء على موارد الأشخاص الطبيعيين". وقد اقترحت كل الأحزاب السياسية باستثناء الحزب الديمقراطي التقدمي الرفع في سقف المداخيل المعفاة من الأداء على موارد الأشخاص الطبيعيين حيث اقترح حزب التكتل في هذا الصدد الترفيع في سقف المداخيل إلى 3500 دينار وحزب آفاق تونس إلى 5000 دينار والنهضة في حدود 2500 دينار مقابل 1500 دينار وفق المعايير المعمول بها حاليا. وبخصوص الاداءات على القيمة المضافة والثروة والهبات أشار الباحث إلى ان حزب المؤتمر من اجل الجمهورية والقطب الديمقراطي الحداثي فقط قدما إصلاحات فى هذا المجال اذ اقترح حزب المؤتمر من أجل الجمهورية توظيف أداء على القيمة المضافة فيما دعا القطب الحداثي إلى إحداث أداء على الثروة التي تفوق 5ر1 مليون دينار. ومن جهة الأداء على المؤسسات فان "حزب التكتل" و"الحزب الديمقراطي التقدمي" و"آفاق تونس" فقط اقترحوا التخفيض في نسب هذه الاداءات واقترح "التكتل" في هذا الصدد التخفيض فى نسبة الأداء على المؤسسات من 30 بالمائة إلى 25 بالمائة في حين اقترح "الحزب الديمقراطي التقدمي" التقليص في هذه النسبة من 30 بالمائة إلى 20 بالمائة بالنسبة لكل القطاعات باستثناء القطاعات المالية والنفط والاتصالات (35 بالمائة إلى 30 بالمائة). ويتمثل مقترح "آفاق تونس" في مكافحة التهرب الجبائي عبر إحداث نظام جبائي ينص على ان تخضع المؤسسات الصغيرة جدا التي يقل رقم معاملاتها عن (300 ألف دينار) إلى نسبة أداء على الشركات في حدود 5ر12 بالمائة. ولم تتطرق الأحزاب السياسية في برامجها الاقتصادية إلى النظام التقديري الا حزبا الديمقراطي التقدمي وآفاق تونس رغم انه حسب رأي الخبير يجب ان يكون في قلب النقاش حول إصلاح النظام الجبائي في تونس. ويمثل المنضوون تحت هذا النظام 65 بالمائة من المطالبين بالأداء يتم اعفاءهم من مسك حسابات ويدفعون للدولة اداءات على أساس تصريح تقديري ضعيف. ويعتبر الخبراء في المجال ان هذا النظام يحفز على التهرب الجبائي باعتباره لا يساهم الا بنسبة 2 بالمائة في الأداء على المداخيل. ويقترح حزب آفاق تونس، للحد من التجاذبات التي يتسبب فيها وجود نظامين متنافسين للجباية، إحداث نظام جبائي خاص بالمؤسسات الصغرى لتعويض النظام التقديري من دون ان يقدم تفاصيل حول خصائص هذا النظام في حين دعا القطب الديمقراطي الحداثي الى ان تقتصر امتيازات النظام التقديري على صنف محدود من المؤسسات دون ان يوضح خصائص هذه المؤسسات. وفي ما يتعلق بالتخفيف من العبء الجبائي على خزينة المؤسسة اقترح آفاق تونس سن إجراءات موحدة وتعليق العمل بالأداء على القيمة المضافة في حين دعا التكتل والنهضة إلى إلغاء الديون الجبائية وطالب حزب النهضة بمراجعة قائمة المواد الموردة الخاضعة إلى الأداء على الشركات. وفي ما يتعلق بالمزايا الجبائية فقد دعا القطب الديمقراطي الحداثي والمؤتمر من أجل الجمهورية إلى إيلاء اهتمام خاص بالاستثمار في المجالات البيئية كما يعتبر المشاريع ذات البعد الاجتماعي داخل المؤسسة موضوع حوافز جبائية . أما بالنسبة لآفاق تونس فالإجراءات الجبائية التحفيزية يجب ان تستهدف المبادرة والاستثمار في الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية ويقترح حزب الديمقراطي التقدمي إعفاء المداخيل التي تتم إعادة استثمارها في الشركات المجددة وذات القيمة المضافة العالية. وبالنسبة للتكتل فانه يقترح إعفاء جبائي للمداخيل المتأتية من المشاريع الاستثمارية في قطاع الثقافة وتخفيف العبء على المؤسسات للاستثمار في البحوث والتطوير والتي تنتدب حاملى الشهادات العليا. ومن أجل استهداف المناطق الجهوية يقترح التكتل تخفيف العبء الجبائي بالنسبة للاستثمارات في المناطق ذات الأولوية في حين ان الحزب الديمقراطي التقدمي يطالب بإعفاء كلي للاستثمارات في مناطق التنمية الجهوية.