تونس (وات)- مفاجأة سارة تلك التي أسفرت عنها أشغال تجديد فرع البريد بمقرين ..المفاجأة لا تكمن فقط في أناقة الفضاء العصري الجديد الذي أدخل البهجة على موظفي وموظفات الفرع والحرفاء على حد السواء ، وإنما في المحافظة على لوحة فسيفساء تمثل جدارية فنية رائعة من انجاز الرسام الراحل عمارة دبش 1918-1977 وإعادة تثبيتها في مكانها، في بهو المدخل . وتعتبر هذه الجدارية الدرة اليتمية لهذا الرسام الذي ولد في ريف الكاف وتعرض رغم نبوغه المبكر للإهمال والمعاناة في بلده مما اضطره إلى الهجرة والموت منتحرا في ديار الغربة بإحدى ضواحي باريس ذات يوم خريفي كئيب من ايام نوفمبر1977. هذه الجدارية تدل على ذكاء صاحبها وبراعته الفائقة في تطويع الخيال واستشراف المستقبل وإبراز عالم الاتصالات والبريد بشكل سابق لأوانه مستعينا برمزية البراق رمز السرعة الأسطورية بحيث تبدو هذه اللوحة التي أنجزت سنة 1967 بطلب من مصالح البريد كما لو انها أنجزت لتوها .. لم تفسدها التجاعيد ولم يقهرها الزمن .. انها معاصرة وحديثة بشكل مدهش. ولا غرابة في ذلك ، فلقد كان عمارة دبش سباقا/تقنيا/في ممارسة الفن القائم على الفسيفساء حتى قبل حاتم المكي وعبدالعزيز القرجي وعلى بن سالم ..وأكثر من ذلك فان عمارة دبش كان يشتغل بمفرده في حين كان الآخرون يلجؤون إلى معاونين. هذه الجدارية الرائعة أثارت شجون الرسام عبدالمجيد البكري ، أحد أقرب اصدقاء الرسام الراحل وأكثرهم معايشة له فهو يقترح في اتصال بالقسم الثقافي لوكالة" وات"أن تتولى مصالح البريد أو المصالح المشابهة إصدار طابع بريدي أو بطاقة بريدية تحمل صورة هذه الجدارية المتميزة مرفوقة بتعريف بصاحبها تخليدا لذكراه، ويقترح أيضا أن تعمل وزارة الثقافة وحتى الوزارات الأخرى والمؤسسات العامة والخاصة على تكريس فكرة تقريب الفن التشكيلي من الجمهور العريض بتقديم الأعمال الفنية وتثبيتها في الفضاءات العمومية وغيرها حتى لا تبقى رهينة جدران الأروقة الفنية وحتى تنتشر ثقافة الجماليات على أوسع نطاق .. ونحن لانملك الا أن نبارك هذه الفكرة مع التمنيات بأن تجد طريقها إلى التطبيق في أقرب وقت ممكن سيما وان عدد الطلبة والفنانين التشكيليين في تونس في تزايد مستمر ولابد من فتح أفاق العمل والإبداع أمامهم.