باردو (وات)- أقبل ممثلو المجتمع المدني، يوم السبت، بكثافة على اللجنة التأسيسية للحقوق والحريات لإبداء آرائهم وتقديم مقترحات بشأن مشروع الدستور الجديد وذلك في إطار اليوم الثاني من الحوار الهادف إلى "صياغة تشاركية للدستور". وتركزت التدخلات على مسائل رئيسية مثل الحق في المساواة وحقوق المرأة والطفل والمعوقين ومفهوم "المقدس" والحريات الأكاديمية واستدامة الموارد وموقع المعاهدات الدولية في الدستور وتجريم التطبيع مع إسرائيل. وحملت التدخلات انتقادات واقتراحات تراوحت بين المطالبة بتعديلات لغوية وفي الصياغة وبين المطالبة بتعديل المضامين جزئيا أو كليا بحذف أجزاء من فصول أو حذف فصول كاملة أو تغيير موقعها. ومثلما حصل أمس في لجنة التوطئة والمبادىء الأساسية وتعديل الدستور أثارت مسألة "حماية المقدس" آراء واقتراحات متباينة بين ممثلي الجمعيات اللائكية والجمعيات الإسلامية حيث طالبت الأولى بتوضيح مفهوم "المقدس" حتى لا يستخدم "تجريم الاعتداء عليها" في خنق حرية التعبير والإبداع في حين تمسكت الثانية بوضع حدود لحرية التعبير في هذا المجال. وتساءلت ممثلة جمعية "المواطنة والديمقراطية التشاركية" عن جدوى طرح مسألة المقدسات بصيغة "التجريم" قائلة انها "ستطرح مشاكل في المجتمع أكثر مما تحلها". كما تساءلت ممثلة "جمعية المرأة والريادة" عن سبب غياب الإشارة إلى مجلة الأحوال الشخصية والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها تونس بخصوص المرأة والطفل والأسرة بينما دافعت ممثلة جمعية "حواء" "الإسلامية" عن ضرورة حماية الأسرة من التمزق قائلة إنه "لا مجال لتقديس مجلة الأحوال الشخصية" وإنه يجب اعتبار أن الإسلام دين الدولة كما ينص على ذلك الفصل الأول من الدستور في سن القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية والأسرة. وطالب ممثلا الجامعة النقابية للتعليم العالي ومنتدى الجامعيين التونسيين بالإقرار باستقلالية الجامعة وحياديتها عن التجاذبات الإيديولوجية مشيرين إلى "وجود قلق في العودة الجامعية الجديدة مما حدث في السنة الماضية" بسبب الخلافات حول ارتداء النقاب. وأعرب ممثلا الهيئتين الجامعيتين عن ارتياحهما ل"التقدم الهام" الحاصل في مسودة الدستور الجديد، بالمقارنة مع دستور 1959 ، بالتنصيص على أن "الحريات الأكاديمية وحرية البحث العلمي مضمونة" وعلى ضرورة أن توفر "الدولة الوسائل اللازمة لتطوير العمل الأكاديمي والبحث العلمي". واقترح رئيس جمعية "ادم" لمناهضة العنصرية في تونس التنصيص صراحة على مناهضة التمييز العنصري في المجتمع التونسي وخاصة المؤسسات التعليمية وبعض القطاعات المهنية والجهات التي قال أن بعض السلوكيات فيها تذكر بزمن العبودية داعيا إلى تجريم الآراء والأقوال العنصرية مثلما يحصل في عديد البلدان المتقدمة والى خلق الآليات التي تفعل مكافحة العنصرية في بعض الأجهزة الحساسة مثل القضاء والأمن حيث تعطل الملفات والشكايات بدوافع عنصرية، على حد قوله. وبخصوص "تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني" الوارد في مسودة الدستور رأى عديد المتدخلين حذف هذا الفصل باعتبار أن الدستور ليس مكانه وباعتبارها مرتبطة بقضية مرتبطة بزمن محدد ووضع معين يمكن أن يزول بزوال الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين. كما طالب العديد من ممثلي الجمعيات ومنها بالخصوص الجمعية التونسية للشفافية في الطاقة والمناجم ب"دسترة" حقوق الأجيال القادمة في البيئة السليمة وحماية الثروات الطبيعية والبيئية والباطنية للبلاد وترشيد التصرف فيها ومكافحة الفساد الذي يستهدفها والتنصيص على الآليات لذلك. وأعرب بدر الدين عبد الكافي مساعد رئيس المجلس الوطني التأسيسي المكلف بالعلاقات الخارجية والمجتمع المدني، خلال الجلسة الختامية ليومي الحوار مع الجمعيات المدنية، عن الارتياح إزاء "حرص كل القوى الفاعلة إلى جانب حرص المجلس الوطني التأسيسي على أن تأخذ صياغة الدستور صبغة المشاركة والشفافية". وقال أن المجلس سيواصل "الحوار الوطني حول الدستور" في الأيام القادمة بتخصيص أسبوعين للنواب لإجراء الاتصالات مع المواطنين قبل الدخول في مرحلة النقاش والمصادقة على مشروع الدستور. ومن ناحيته قال العربي عبيد النائب الثاني لرئيس المجلس "ان الحوار مع المجتمع المدني يعطي للدستور الجديد شرعية تشاركية توافقية فضلا عن الشرعية الديمقراطية". وأوضح المقرر العام للدستور، الحبيب خضر، انه رغم أن نواب المجلس غير ملزمين قانونيا بالحوار مع المجتمع المدني إلا أن المجلس اعتمد هذا الأسلوب "لمصلحة البلاد ولمقبولية الدستور" مضيفا انه "لا صد ولا إلزام.. نحن نبحث عن التوازن". وقد دعي المشاركون في الورشات المتعلقة باللجان التأسيسية الست التي تعمل على سن الدستور إلى تقديم مقترحاتهم كتابيا إلى المجلس الوطني التأسيسي فضلا عن عرض أفكارهم خلال الورشات كما وزعت عليهم نسخ من مسودة مشروع الدستور واستمارة لسبر آرائهم حول محتوياته. وكانت رئيسة لجنة الحقوق والحريات، فريدة العبيدي، أكدت لدى افتتاح جلسة الحوار التي احتضنتها اللجنة انه يمكن للآراء والمقترحات المقدمة من ممثلي الجمعيات أن تحدث إضافات وتعديلات على مسودة الدستور بعد جمعها في تقارير اللجان واطلاع النواب عليها.