باردو 9 فيفرى 2011 (وات) - أجمع أعضاء مجلس المستشارين لدى مناقشتهم يوم الأربعاء مشروع القانون المتعلق بالتفويض إلى رئيس الجمهورية المؤقت في اتخاذ مراسيم وفقا لأحكام الفصل 28 من الدستور على أهمية ثورة شباب تونس التي وصفوها ب"ثورة الحرية والديمقراطية" و"ثورة الكرامة والعزة" و"ثورة الاستقلال الحقيقي وحقوق الإنسان والقضاء على الفساد والتجاوزات". ولم يخف المتدخلون في النقاش خشيتهم من أن تحيد هذه الثورة الشعبية التلقائية عن مسارها ويقع الزيغ بأهدافها النبيلة ومبادئها السامية سيما في ظل مظاهر الفوضى المسجلة في أكثر من جهة ومحاولات قوى الردة ترويع المواطنين واستهداف مكاسب البلاد والشعب. ودعوا إلى وجوب معاضدة أعمال الحكومة المؤقتة وتسريع نسق التنمية الشاملة والعادلة والمتوازنة مؤكدين أن المصادقة على مشروع القانون المعروض تتنزل في سياق إعلاء مصلحة تونس في هذه المرحلة الدقيقة بالذات كما أكدوا على أهمية التضامن والتآزر بين مختلف فئات المجتمع والابتعاد قدر الإمكان عن المحاسبة الفوضوية والمساءلة العشوائية مناشدين العدالة الانتقالية تتبع كافة الأطراف المنخرطة في السرقات وعمليات التعذيب والنهب والحرق وتساءل بعض المستشارين عن مال السلطة التشريعية بغرفتيها مشددين في هذا الصدد بالخصوص على مشروعيتها القانونية رغم كونها تعتبر منحلة من الوجهة السياسية. واستأثر ملف الإعلام باهتمام حيز كبير من التدخلات التي تتلخص في مجملها في مؤاخذة هذا القطاع على ما مارسه لسنوات عدة من تعتيم مفضوح ومدح صارخ مقابل فوضى عارمة ومساءلات علنية اليوم. وأكدوا على أن هذا القطاع الحساس باعتباره سلطة رابعة وحقيقية ينبغي أن يعدل أوتاره حتى يجد توازنه المنشود ويقدم الإضافة في ظل هذه الثورة النبيلة. وأوضحوا أن هنالك عديد الملفات الهامة التي يمكن معالجتها اليوم إعلاميا على غرار ملف فساد التسيير في بعض البلديات وملف نهب الآثار والاستيلاء على الأراضي المصنفة دوليا كموروث كوني. ودعا المستشارون إلى تضافر جهود الجميع من إعلام ومكونات مجتمع مدني وغيرها والانصراف الجاد إلى العمل من اجل خلق مواطن الشغل وضمان استدامة الأمن عامة والأمن الغذائي على وجه الخصوص. وحث عدد من المتدخلين في النقاش على تركيز الاهتمام على الجهات الداخلية وأفرادها ببرامج واليات تكفل لها الخروج من عزلتها وتؤمن لأبنائها سبل الحياة الكريمة. وطالب عدد من المستشارين بمراجعة المنظومة الجبائية حتى يسترجع أصحاب رؤوس الأموال الثقة ويقدمون على الاستثمار في كافة ربوع الوطن وبإقرار حوافز جديدة للمستثمرين الأجانب الذين غادر عدد منهم تونس نظرا لما تعيشه من ظروف استثنائية. وكان لمسألة اختيار المسؤول الجهوي نصيب من تدخلات المستشارين الذين دعوا إلى ضرورة إيجاد حلول سريعة لاسترجاع ثقة المواطن في الولاة خاصة بما يمكن الجهات من استعادة الأمن بها ويعطي للمسؤول الجهوي الفرصة للعمل والإصغاء لمشاغل المتساكنين واستشراف سبل حل مشاكلهم العديدة. وتركزت مداخلات عدد من المستشارين على إبراز الصعوبات والمشاكل التي تشهدها قطاعات الفلاحة والصيد البحري والخدمات والنقل والسياحة وغيرها مما يستوجب عملا مضاعفا من قبل الحكومة المؤقتة لتصريف الشؤون ومعالجة الملفات المطروحة. واستأثرت مواضيع استقلالية القضاء والانتقال الديمقراطي وصيانة الحريات الأساسية وحقوق الإنسان بحيز من تدخلات المستشارين الذين دعوا إلى إرساء بناء سياسي يستجيب لتطلعات الشعب التونسي بمختلف مكوناته السياسية والمدنية بعيدا عن الإقصاء والتهميش لأي حزب أو فئة وفي مقدمتها المرأة. ويجدر التذكير بان إدارة المجلس تلقت 4 استقالات لكل من السادة منصف الشابي والشاذلي العياري ومحمد شندول ورشيد صفر كما لوحظ غياب عدد من المستشارين خلال الجلسة العامة الأولى بعد أحداث 14 جانفي 2011 من أبرزهم السيدان الهادي البكوش والباجي بن مامي . ردود الوزير الأول على تدخلات المستشارين حول مشروع القانون المتعلق بالتفويض إلى رئيس الجمهورية المؤقت في اتخاذ مراسيم أكد السيد محمد الغنوشي الوزير الأول على أن الأولويات المطروحة في الوقت الراهن هي تضافر الجهود لإنجاح ثورة الشعب التونسي وليس محاسبة أي طرف كان مشيرا إلى أن القضاء هو الفيصل في ما يتعلق بالتجاوزات وبقضايا الفساد. وأضاف أن ما لقيته ثورة شباب تونس من تقدير على مختلف المستويات الإقليمية والدولية يحمل كافة الأطراف مسؤولية اكبر لتحقيق عملية الانتقال الديمقراطي في أفضل الظروف وفي كنف القانون والشفافية. وذكر في هذا الصدد بان عديد الثورات في العالم قد نجحت بفضل وعي الشعوب وان عديد المجتمعات قد تحولت إلى أنظمة دكتاتورية بسبب انتشار الفوضى مؤكدا ضرورة استلهام التجارب الناجحة والاستفادة من هذه الفرصة التاريخية التي منحها الشباب لكل التونسيين. كما شدد على حرص الحكومة المؤقتة على التسريع قدر الإمكان في عملية الانتقال الديمقراطي وتسليم المشعل إلى الرئيس الجديد الذي سيكون للشعب حرية اختياره مشيرا في السياق ذاته إلى انطلاق اللجان الوطنية في عملها يحدوها في ذلك الحرص على التوفق إلى إيجاد الحلول والإصلاحات الضرورية لتوفير الضمانات القانونية لكل الأطراف المشاركة في الانتخابات القادمة ومحاسبة من ثبتت إدانته في قضايا الفساد والرشوة. وأشار الوزير الأول إلى أن الاضطراب الأمني لا يخدم سوى الراغبين في إحداث البلبلة داخل المجتمع وتعطيل كل الجهود الرامية إلى استرجاع الأمن والمضي قدما في مسيرة الإصلاح مؤكدا أن التحركات الأخيرة في عدد من الجهات ليست جميعها تلقائية وان الأبحاث جارية للتعرف على المسؤولين عن هذه الأحداث وتتبعهم في كنف القانون. كما شدد على ضرورة تجاوز منطق المحاسبة المنتشرة في كل الجهات والقطاعات والتي من شانها ان تبعد الجميع عن الهدف الأسمى لهذه الثورة والمتمثل بالأساس في الدخول في مرحلة جديدة قوامها الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. وبين من ناحية أخرى أن الفرصة اليوم متاحة للنجاح بالرغم مما تكبده الاقتصاد الوطني من خسائر خلال الفترة الماضية نتيجة عمليات الحرق والنهب والتخريب وذلك اعتبارا لما تزخر به تونس من كفاءات بشرية داخل البلاد وخارجها تعتبر ثروتها الرئيسية وهي كفاءات عبرت خلال الثورة عن استعدادها التام للمساهمة في تجاوز الأوضاع الصعبة والإعداد للمستقبل. وأوضح أن عديد المستثمرين الأجانب المنتصبين في تونس لم يبدوا اى رغبة في مغادرتها مشيرا إلى أن ما وقع في تونس قد روج لها سياحيا ودعم إمكانية مضاعفة الإقبال عليها شرط عودة استتباب الأمن فيها. وفي ما يتعلق بالملف الاجتماعي فقد أكد السيد محمد الغنوشي أن أولويات الحكومة هي التشغيل والتنمية داخل الجهات مبينا أن ضخامة حجم المطالب الاجتماعية المطروحة على كل القطاعات قد أربكت عمل مختلف المصالح العمومية باعتبار أن هذه المطالب المشروعة لا يمكن تحقيقها إلا وفق تمش مرحلي. وأضاف من جهة أخرى أن رصيد البلاد من مدخرات وعملة لا يسمح بالاستجابة إلى هذه المطالب جميعها في نفس الوقت خاصة وان تونس تتكبد مصاريف هامة لتحسين البنية التحتية واستيراد عديد المواد على غرار البترول. كما دعا إلى التحلي بمزيد من التضامن الاجتماعي الذي يمثل دعامة أساسية لتحقيق الوحدة الوطنية. واثر ذلك صادق المجلس على مشروع القانون المعروض بالإجماع.