انتهجت تونس منذ عقود سياسة مبنية على التداين. وقد تسارعت وتيرة الاقتراض من الداخل والخارج خلال العشرية الأخيرة، ما فتح باب النقاش حول ارتهان الدولة لصناديق النقد الدولي وتبعاته. هذه الحقيقة لم ينكرها رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي أكد في خطابه المتلفز يوم أمس أن نهج التداين وصل حدودا مخيفة تجاوزت 80%، مشددا على أن الحكومة لن تسمح برهن البلاد والمسّ من استقلالية قرارها الوطني وأنه سيتم التعويل في الفترة القادمة على الموارد الذاتية وترشيد النفقات. الفخفاخ لم يعلن عن نسب التداين الحقيقية أكد الخبير الاقتصادي الصادق جبنون أن قراءة رئيس الحكومة لنسبة التداين التي قال إنها بلغت 80 بالمائة لم تأخذ بعين الاعتبار ديون المؤسسات العمومية وعجزها، وإلا لقال إن نسبة التداين تتجاوز 100 بالمائة، حسب جبنون. وأضاف جبنون في تصريح لموقع "الشاهد" أن نسبة التداين بلغت ارتفاعا لأن تونس ذهبت منذ سنوات، وبالتحديد انطلاقا من سنة 2014 في سياسة تصدير الأزمات إلى الفترة اللاحقة عبر التداين لخلاص الديون القديمة وبذلك تقع البلاد في عبء من الديون لا يمكنها تحمله الشيء الذي نبه منه تقرير دائرة المحاسبات رقم 31. وتابع الخبير الاقتصادي أن سياسة التداين بهذه الصفة مع انتهاج البلاد سياسة التقشف وتوجيه الدين لنفقات التصرف وليس للاستثمار هي سياسة انتحارية على الصعيد الاقتصادي وبالتالي لا يمكن في الفترة الحالية الحديث عن التقليص في التداين لأن تونس وصلت مرحلة عليها أن تفاوض على إعادة جدولة الدين مع صندوق النقد والبنك الدولي على أساس جائحة كوفيد 19 وهو أمر ممكن حاليا، وفق تقديره. نحو حوار وطني اقتصادي أكد الخبير الاقتصادي الصادق جبنون أنه لا بد من رفع كل العراقيل أمام الاستثمار وأن تونس في حاجة لأكثر من ميزانية تعديلية، مثلما تحدث رئيس الحكومة، بل إنها في حاجة إلى 50 مليار دينار لمواجهة دين المؤسسات العمومية وإعادة إنعاش الاقتصاد وتوفير الحد الأدنى من الضمان الاجتماعي للتونسيين في ظل استفحال ظاهرة الفقر والتهميش. وتابع أن المطلوب هو أموال ضخمة ولا يمكن بالقوانين المعرقلة الحالية أن يقع تجاوز الأزمة في ظل وجود العديد من الإجراءات التي تدعم البيروقراطية ولا تلغيها، مبينا أنه عند الحديث عن الرقمنة فهو بمثابة انتقال من البيروقراطية الورقية إلى الرقمية. كما أكد جبنون ضرورة رفع كل العراقيل التي حددتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في حدود 450 إجراء ودعم الحريات الاقتصادية في تونس وتشجيع المبادرات الخاصة بإجراءات فعلية وتجنب المراسيم التي تزيد من إثقال كاهل المؤسسات بالجباية ومزيد الاجراءات والأوراق التي تنفر المستثمر وتحد من إمكانية تطوير المؤسسة وتتسبب في مزيد فقدان مواطن الشغل وترفيع نسبة البطالة. وشدّد المتحدث على أهمية انتهاج سياسة تعيد الثقة للتونسيين، "وهو ما يتطلب حوارا وطنيا اقتصاديا واجتماعيا، تتم حوله أرضية سياسية قوية ومصالحة قوية للدخول في خطة إنقاذ اقتصادي في تونس وتمكن من توفير الحد الأدنى المطلوب من الأمان الاجتماعي". تجدر الإشارة إلى أن تونس انطلقت منذ بداية السنة الجارية في خلاص ديونها التي تراوح 11 ألف و762 مليارا موزعة بين 7 آلاف و916 مليارا قيمة الديون الأصلية، و3 آلاف و762 مليارا قيمة الفوائد.