بقلم عادل السمعلي كاتب ومحلل إقتصادي هذه المقالة جزء من سلسلة مقالات تحت عنوان لماذا يراهنون على إنهيار الإقتصاد سنحاول فيها كشف منظومة الثورة المضادة الإقتصادية التي تعمل منذ تاريخ 14 جانفي 2011 تاريخ هروب الهارب على إرباك الوضع الاقتصادي والمالي وتراهن على إفلاس الدولة وإنهاك النسيج الاقتصادي وفق خطة مدروسة ومخططة سلفا ويقيني راسخ أن هذه المنظومة يشرف عليها من تحت الستائر أناس ذوي خبرة عالية ليس في الاقتصاد فحسب بل في التزوير والتدليس واللعب على أوتار في منتهى الحساسية تمس في العمق التوازنات الإقتصادية والمالية الكبرى للدولة التونسية سنتطرق تباعا لعمليات إستهداف السياحة كأكبر مصدر إقتصادي للعملة الصعبة وكذلك سنحلل خطة تعطيل إنتاج الفسفاط كأكبر قطاع تصديري للبلاد كما ننوي إن شاء الله طرح المقاربة المالية الصحيحة لمسألة الديون الخارجية بعيدا عن المزايدة السياسية والتجاذبات المرضية وقد أرتأينا أن نبدأ هذه السلسلة بالخطة المسطرة لتجفيف السيولة النقدية وإنعكاساتها على الوضع الإقتصادي تعتبر السيولة النقدية المتوفرة لدى البنوك من أهم مرتكزات تمويل المشاريع الاستثمارية كما أنها عنصر فعال في تمويل الأفراد والجماعات في الظروف الاستثنائية حيث يحدث تأخر ظرفي في المداخيل مقابل المصاريف مما يؤدي للإلتجاء لسد هذا النقص عن طريق توفير تمويلات مقننة ومنظمة من طرف المركزية البنكية حسب القطاع وحسب الحاجات الضرورية للتمويل إن توفر هذه السيولة بكميات كافية تساعد على إنعاش الدورة الإقتصادية وعلى إنقاذ كل من يشكو من صعوبات مالية وقتية بالنظر لمردودية النشاط الاقتصادي وكل هذه المعطيات تخضع لمعايير معترف بها محليا ودوليا والواضح أن( عباقرة ) الثورة المضادة بصدد إتباع أجندا محبوكة الحلقات لضرب أحد مفاصل التوازنات الكبرى للإقتصاد فالسيولة النقدية كانت ولا مازالت تتعرض لهجمات منظمة لإرباك الوضع الإقتصادي ولا يتسع المجال لذكر عشرات الأخبار الزائفة والتسريباب المغالطة لإستهداف السيولة النقدية لدى البنوك التجارية وإنما سأكتفي بذكر آخر هذه الهجمات والتي تتعلق بتسريب خبر زائف عن طريق وكالة أنباء حكومية تدعي عجز الدولة عن سداد أجور الموظفين لشهر جانفي ( أنظر مقالنا تحت عنوان لا خوف على أجور الموظفين ووكالة الأنباء التونسية كاذبة ) قد يعتقد البعض أن هذا الخبر الكاذب قد إنتهى مفعوله بمجرد تكذيب وزارة المالية الذي أتى متأخر جدا ( بعد يومين من تداول الخبر عن طريق وكالات الأنباء العالمية ) كما أن البعض سيظن أن الأمر محسوم بمجرد شروع الموظفين في تلقي رواتبهم لهذا الشهر ( بدأ الموظفون في تلقي مرتباتهم بطريقة عادية بداية من 20 يناير ) ولكن العارف بدقائق لأمور يعلم جيدا أن مثل هذا الخبر مازال يؤثر على التوازنات المالية الكبري وسيبقى مؤثرا لأشهر أخرى وذلك للإعتبارات التالية . أولا : إنخفاض رقم المعاملات هذا الخبر الكاذب كان من تداعياته بث الخوف والتوجس وعدم الثقة لدى قطاعات كبيرة من الموظفين والتجار الصغار مما جعلهم يأخذون موقف الحذر ويؤجلون أي إنفاق أو إستثمار مبرمج إلى أن تكتمل الصورة الحقيقية لديهم ويتلقوا رواتبهم في الآجال المعلومة وهذا مما يستغرق بعض الوقت الذي تراوح بين 3 و 4 أسابيع وهذا التأجيل له إنعكاس مباشر على أرقام المعاملات التجارية لبعض الفاعلين الاقتصاديين والتجار الذين يشكون من الكساد و هم بدورهم تحت طائلة مصاريف عاجلة لا يمكن تأخيرها ويخضعون لسداد ديون مستحقة شهريا لقد أخبرني كثير من التجار والحرفيين أن رقم معاملاتهم التجارية خلال الأسبوع الأول الذي بثت فيه إشاعة عجز خزينة الدولة عن سداد أجور الموظفين قد إنخفضت بطريقة ملفتة للإنتباه وتواصلت حتى بعد صدور تكذيب الخبر نظرا للتوجس وعدم الثقة في المستقبل التي يشعر به البعض وأنهم ينتظرون بفارغ الصبر آخر شهر جانفي حتى يتلقى الموظفون رواتبهم و يعود نسق البيوعات والمعاملات لما كان عليه قبل نشر هذا الخبر الزائف ثانيا : سحب السيولة النقدية من البنوك بعض المتوجسين سحبوا أموالهم من البنوك مخافة أن تلجأ الدولة لأرصدتهم لخلاص أجور الموظفين وقاموا بتخزين أموالهم في منازلهم وذلك ضمانا لهم من أي طاريء وتجنبا لكل مفاجأة غير محمودة العواقب وهذه العملية من شأنها إخراج هذه الأموال من الدورة الاقتصادية وتسبب في مشاكل إقتصادية تتعلق بتوفر السيولة النقدية إن خزن الأموال داخل المنازل وخارج البنوك من شأنه تعطيل الدورة الاقتصادية وحرمان العديد من التجار والحرفيين وحتى الموظفين من التسهيلات البنكية التي توفرها لهم لتجاوز ضائقتهم المالية الوقتية بإعتبار أن الودائع البنكية القصيرة الأمد تساهم في تمويلات قصيرة المدى لمعالجة الصعوبات المالية الوقتية للفاعلين الإقتصاديين تجارا وموظفين وإن سحب الأموال نقدا بكميات كبيرة من شأنه تقليص السيولة البنكية وتحد من إمكانيات التمويل لأصحاب الحاجة وختاما إن الأمر لا يتعلق بخبر كاذب و تكذيب لهذا الخبر أتى حسب رأينا متأخر جدا بل إن ( عباقرة) الثورة المضادة يقصدون ما يفعلون وواعون بما يعلمون وأنهم بصدد التلاعب بمستقبل البلاد وفق برنامج عمل مخطط ومسطر سلفا وكل مرة يستهدفون بطريقة أو بأخرى التوازنات الاقتصادية لإرباك الوضع وإستحثاث الإنفلات لغايات يعلمها الجميع ولذلك فإنه رغم أن خزينة الدولة اليوم 25 جانفي 2013 كافية لخلاص أجور الموظفين لثلاثة أشهر مسبقا فإننا لا نستغرب إذا طلع علينا أحدهم غدا وبشرنا بأن رواتب الموظفين للشهر القادم أو الذي بعده محل شك وإختلاف وأن الدولة على حافة الإفلاس عادل السمعلي كاتب ومحلل إقتصادي