مرت على الثورة أكثر من سنتين و لم تنجز أهدافها و لم تحقق آمال الشريحة الأكبر ممن انتفضوا على ديكتاتورية : الرجل الواحد و الحزب الواحد و النظرة الواحدة المتوحدة في مشروع التخويف و التخوين و الإقصاء .و لم تعد مقولة “أن أحلم لوحدي فذلك مجرد حلم أم أن نحلم جميعا فتلك بداية لتحقيق الحلم ” متجانسة مع الواقع السياسي المتشرذم في خضم التجاذب السياسي من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ،و زاده الاغتيال السياسي عتمة و ظلمة في غياب مشروع البديل الديمقراطي ،فذاكرة الجماعة لم تعد تقتفي إلا القليل من الصور الجميلة عن الثورة ( الهبة الشعبية في لجان عفوية لحراسة الأحياء إبان الانفلات الأمني … الصور الفوتوغرافية لثورة سلمية توحد فيها شعب …. أغاني ثورية تخلد اللحظة و تؤرخ للذاكرة الجماعية …إنتخابات شعبية تحتفي بالديمقراطية… ) فأين نحن من ذلك الحلم الجميل ؟ هل خذلتنا الطبقة السياسية في ترجمة الحلم ؟ هل تمكنت النخب الواسعة من رسم مشروع جامع للثورة بعيدا عن الفهم الضيق للشرعية الإنتخابية و المطالب المشطة الواسعة المشروعية الثورية ؟أين نحن اليوم من ثقافة الثورة ؟ لماذا غاب أو غيب الحديث عن نشر ثقافة الثورة و ماذا نعني بثقافة الثورة ؟ أليست في في أبرز أوجها هي نقيض ثقافة الديكتاتورية بمعنى أنها ثقافة تجمع شمل المجتمع حول المشترك في قيم مدنية كونية متجذرة في ثقافتنا و هويتنا و المتأصلة و المنفتحة تكرس ثقافة الاختلاف في مناخ من إشاعة السلم الإجتماعي و التسامح و نبذ العنف و إعلاء شأن المواطن و نشر دور المواطنة بين حقوق المواطنة و الواجب تجاه الوطن . إن من مستلزمات المرحلة و منذ إنطلاق الثورة و في غياب مشروع البديل الثوري كان لابد على النخبة السياسية و الأكاديمية العمل سويا على صياغة ملامح مشروع ثقافة بديلة تحتضن الثورة و تنشر أهدافها و قيمها ،في مناخ من إشاعة السلم الإجتماعي الذي يحصن المشترك بين التونسيين و يقلص من منسوب التجاذب السياسي الذي سيطر على المناخ العام و سيطر على صناعة الرأي العام ، غير إن المكبوت السياسي جعل من الطبقة السياسية تسيطر على الخطاب العام بما يخدمها و بدل أن تتوحد جهودها زادها التنافر الأيديولوجي إقصاء و إلغاءا و تكفيرا و تصفية و أصبح الشارع يعيش حالة من الإغتراب ،و ظني أنه في ثورة ما بعد الحداثة قد انتفى الصراع الإيديولوجي في مقولة نهاية الأيديولوجيا غير أن الثورة التونسية تطرح الآن إشكالا منهجي عنوانه ” ثورة ما بعد الحداثة و عودة الإيديولوجيا لا لتقسيم العالم بين رأسمالي و إشتراكي بال لتقسيم المجتمع التونسي بين علماني و إسلامي بين كافر و مسلم ، فأي تشرذم تعيشه الثورة التونسية؟ و أي إنفصام يلتبس الشخصية التونسية مستقبلا ؟فبعد انهيار جدار برلين والمعسكر الاشتراكي وبروز مفهوم العولمة وريث مفهوم النظام العالمي الجديد في سياق إنتاج مرحلة ما بعد الحداثة وابتكاراتها الرقمية والثورة المعلوماتية ،كثرة الحديث عن نهاية الأيديولوجية في منظومة جغرافية العولمة التي تتيح الانسياب الحر للمعلومات و البضائع و الأشخاص ،ومع أحداث الثورات العربية وبغياب المعطي الأيديولوجي والزعامات فيها كان شعار الشعب يريد …. الحرية والكرامة والديمقراطية ، ومع انتخاب أحزاب ذات مرجعيات إسلامية بأكثر المقاعد عاد الصراع الأيديولوجي في أوجه وكل طرف يكيل لخصمه السياسي بالتهم من قبيل : الشرعية الانتخابية فوق كل شرعية وما لف لفها من شعارات والأخر يستكثر على خصمه الحكم لأنه لا يأتمنه على المسار الثوري ووحدها القوي الديمقراطية والتقدمية يرى فيها تصحيح النهج الثوري وضاعت على تونس فرص الوفاق والتوافق للإدارة المرحلة عادل علياني