غياب الرؤية الواضحة، والأدبيات السياسية، وتعمّد الانسحاب بشكل مفضوح من المستجدات، لدرجة يصعب معها فرزها تحت أي تصنيف توضع، لا هي حاكمة ولا هي حاضرة في المشهد، هو أبرز ما ميز مواقف أحزب تونس من الأحداث المتصاعدة التي تعيش على وقعها تونس خلال اليومين الماضيين. وباتت حكومة يوسف الشاهد في مهب حسابات الأحزاب السياسية التي تنصلت من مسؤولياتها في دعمها وتفرغت لخدمة حملاتها الانتخابية التي أطلقتها مبكرا حتى بقيت الحكومة تصارع مشاكلها وحدها باستثناء القليل جدا من السياسيين، الذين واصلوا مساندتها المشروطة. ويثبت ذلك نزيف الانسحابات من وثيقة قرطاج على غرار الحزب الجمهوري وافاق تونس وحركة مشروع تونس فضلا عن حركة الشعب التي ظلت مساندتها للحكومة صورية لم تتجاوز التوقيع على اتفاق قرطاج في ظل أزمة هيكلية يبدو أن حلولها مستعصية نتيجة تراكم مخلفات حكومة الترويكا وتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بصفة عامة. ويشير مراقبون الى أن جل السياسيين باتوا يتعاملون مع الحكومة ويتعاطون مع الأوضاع السائدة في هذه المرحلة الحاسمة من مسيرة البلاد، بمنطق أعرج تغلب عليه المصلحة الشخصية والحزبية، دون مراعاة لشروط و0لتزامات مسؤولياتهم. ويقول أخصائيون في العلوم السياسية إن "قرار مشروع تونس زاد في تجريد الحكومة من هويتها كحكومة وحدة وطنية" مشددين على أن "مفهوم الوحدة الوطنية بات في مهب عاصفة سياسية لا تقل خطورة عن عاصفة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد". وخلافا لما تقتضيه المرحلة الراهنة في تونس التي تمر بأزمات اقتصادية واجتماعية وأخرى سياسية حادة، يتفرغ 10 من حكومة يوسف الشاهد منتمون لحركة نداء تونس لخدمة الحزب تمهيدا للانتخابات البلدية القادمة وشملت قائمة المنسقين الجهويين لنداء تونس 29 مفوضا بينهم 21 يشغلون مناصب في الدولة على غرار مستشاري رئيس الجمهورية نور الدين بن تيشة وسليم العزابي والناطقة باسم الرئاسة سعيدة قراش فضلا عن وزراء في حكومة الشاهد منهم وزيرة الرياضة ووزير النقل ووزيرة السياحة ووزير الخارجية ووزير المالية ووزير الثقافة ووزير التربية. تُرك الشاهد وحيدا أمام الغليان الشعبي حتى بلغ الأمر ذروته وتحول إلى ما يشبه الأزمة واجهتها الحكومة بمفردها فيما استغلتها الاحزاب على راسهم نداء تونس لصالح غاياته السياسية. هذا وحرّكت التحركات الاحتجاجية الأخيرة أغلب الأطياف السياسية، من سلطة ومعارضة بمن فيهم من حاول استغلال الوضع لمزيد تأجيجه، ومن حاول لعب دور المساند المتعقّل، ومن حاول توعية الشارع التونسي بالمرحلة التي تمر بها تونس، والتي لم تعد تحتمل مزيدا من التوتر الاجتماعي ولا السياسي، مع كل ما تقدم أخرج حزب نداء تونس نفسه من الصورة، وظل غير معني بالتوتر الذي استوجب تدخله على غرار باقي الأحزاب. من جهتها، استثمرت الأحزاب المعارضة المستجدات لصالح مآربها السياسية لكسب مزيد من النقاط في رصيدها السياسي، خدمة لحملاتها الانتخابية واثباتا لفشل الحكومة، والحال ان الفشل متراكم، وليس مسؤولية حكومة وحيدة. في المقابل، ظل حزب الاتحاد الوطني الحر الذي عاد حديثا الى وثيقة قرطاج، بعد خروجه منها سابقا، يصارع مشاكله الداخلية التي عمقتها استقالة رئيسه سليم الرياحي منه، وهو ما طرح على الحزب اشكاليات جديدة ليرمم ذاته في ما يتعلق بالامور المادية بشكل خاص.