يبدو أن المشهد السياسي الحزبي في تونس لم يُبن بالوضوح والدقة الكافيين عن اتجاهات العملية السياسية، في ظل وجود إجماع حول هشاشة المشهد الحزبي في البلاد بعد الثورة، ولم يعد هذا "الاكتظاظ الحزبي" يترجم الحركية والفاعلية السياسية الحقيقية، التي كان يطمح لها التونسيون حتى أن هذا الاكتظاظ تسبب في كثير من الاحيان في تجاوز القانون وتشويه العملية الديمقراطية. في هذا الصدد، أعلن رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب أن شعار 2018 هو ‘سنة النزاهة في الحياة السياسية'، وذلك خلال توقيع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد اتفاقية تعاون وشراكة مع مركز ‘إفادة'. وكشف بالمناسبة ورود عدة ملفات تتعلق بشبهات فساد مالي وإداري لعدد من الجمعيات والأحزاب، وشدد في هذا الصدد على ضرورة التعجيل بضبط إطار قانوني دائم ينظم عمل الأحزاب والجمعيات للقطع بالخصوص مع حالة التشكيك التي رافقت الاستحقاقات الانتخابية السابقة. وقال وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني مهدي بن غربية، إنّ كافة الأحزاب الكبرى في تونس وذات الوزن السياسي لم تقدم تقاريرها، متابعا "لا وجود لأي حزب سياسي احترم كل الإجراءات القانونية". وأفاد بأن 30 حزبا من جملة 210 حزبا في تونس، تقاريرها المالية في السنة الماضي، مشددا على أنه تمت مراسلة الأحزاب في مناسبتين خلال 2017، لتقديم تقاريرها المالية، لكن الأغلبية لم تستجب لذلك ما عدى الأحزاب حديثة العهد والتي تكوّنت في 2016، حسب قوله. وأكد أن الحكومة لئن أبدت تفهمها للمسألة بسبب حداثة التجربة الديمقراطية، إلا أنها ستعمل على تلافي ذلك في المستقبل في كنف الشفافية وحوكمة الأحزاب السياسية. وبخصوص موضوع ورشة العمل التي نظمتها الوزارة مؤخرا بالعاصمة، بيّن بن غربية أن الوزارة قامت باستقراء المرسوم عدد 87 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية، وحددت جملة النقاط الايجابية والسلبية التي يتضمنها، ثم اعتمدت مقاربة تشاركية لإعداد قانون أساسي في الغرض، وفق ما ينص عليه الدستور من وجوب تعويض القوانين التي تنظم الحياة العامة والحريات بقوانين أساسية. وصرح بأن مشروع القانون سيعمل على المحافظة على منسوب الحرية الوارد في المرسوم، وأن الوزارة لن تقيد الحياة الحزبية بل ستعمل على أن تضطلع الأحزاب بدورها في تأطير المواطنين، وعلى تحميل الدولة مسؤوليتها في مراقبة حوكمة الأحزاب، مرجحا أن يكون مشروع القانون جاهزا للمصادقة عليه في مجلس وزاري قبل نهاية الثلاثي الأول من السنة الجارية. وإعتبر أنه لا وجود لحياة سياسية ديمقراطية دون أحزاب، مؤكدا بخصوص التمويل العمومي ضرورة وضع شروط معينة تجنب الأحزاب البحث عن التمويل اللامشروع ولكن في إطار امكانيات الدولة. كما اقترح وضع منصة الكترونية للأحزاب تكون مفتوحة للعموم من أجل مزيد مراقبتها وشفافيتها وحوكمتها. وصرح بأن مشروع القانون سيعمل على المحافظة على منسوب الحرية الوارد في المرسوم، وأن الوزارة لن تقيد الحياة الحزبية بل ستعمل على أن تضطلع الأحزاب بدورها في تأطير المواطنين، وعلى تحميل الدولة مسؤوليتها في مراقبة حوكمة الأحزاب، مرجحا أن يكون مشروع القانون جاهزا للمصادقة عليه في مجلس وزاري قبل نهاية الثلاثي الأول من السنة الجارية. هذا ويثير ناشطون في المجتمع المدني من حين الى اخر قضية مصادر تمويل الأحزاب السياسية، فيما تستميت بعض هذه الأحزاب في عدم البوح عن مصادرها التمويلية، حيث أنهم يفضلون كتمان ذلك على الرغم من أن بعضهم ملتزم بمبدأ الشفافية. وكانت منظمة "أنا يقظ"، قد نشرت في جانفي الماضي تقريرا على موقعها الالكتروني، كشفت فيه أن 96 بالمائة من الأحزاب التونسية ترفض الكشف عن مصادر تمويلها ونفقاتها. ولفت التقرير إلى أن الالتزام الحزبي بالشفافية المالية، لم يتجاوز 4 %، أخفى وراءه عدم التزام أي حزب سياسي بتقديم كافة التقارير المالية طيلة سنوات 2011 و2012 و2013 و2014 و2015. هذا وكشفت دائرة المحاسبات في تقاريرها حول مراقبة الحملات الانتخابية في تونس منذ 2011، جملة من التجاوزات تعلقت اغلبها بالمال السياسي، وتمويل الحملات دون الكشف عن مصادرها.